منذ عام 2014، لم تعد موازنة إقليم كوردستان استحقاقًا ماليًا يُفترض أن يُدار ضمن الأطر الدستورية للدولة العراقية، بل تحوّلت إلى أداة ضغط سياسي تُستخدم كلما اختلّ ميزان الخلاف بين بغداد وأربيل. ففي دولة يُفترض أنها اتحادية، جرى اختزال مفهوم الشراكة إلى معادلة عقابية، يُدفع ثمنها موظفو الإقليم ومجتمعه، لا صانعو القرار ولا أطراف النزاع.
لقد شكّل ملف رواتب موظفي إقليم كوردستان، على مدار أكثر من عقد، وسيلة ابتزاز واضحة بيد الحكومات الاتحادية المتعاقبة. فبدل أن تكون الرواتب حقًا مكفولًا بموجب الدستور، أُخضعت لمنطق التسويات السياسية، في مخالفة صريحة لمبدأ المساواة بين المواطنين، وللنصوص الدستورية التي نظّمت العلاقة المالية بين المركز والإقليم. وهكذا، تحوّل الموظف الكوردي إلى رهينة دائمة للأزمات، في سابقة لا تهدد الإقليم وحده، بل تضرب جوهر الدولة العراقية نفسها.
بيد أن مسؤولية هذا الواقع لا تقع على بغداد وحدها. فجزء من الأزمة يعود إلى أداء بعض القوى والشخصيات الكوردية التي فضّلت البقاء في وزارات الحكومة الاتحادية أو تحت قبة البرلمان العراقي، متمسكة بالمناصب والمكاسب، على حساب الدفاع الحقيقي عن حقوق شعبها. يظهر هؤلاء عند تشكيل الحكومات، ويتصدرون مشهد التفاوض على الحقائب، ثم يغيبون حين تُقطع الرواتب أو تُقتطع الموازنة. وبهذا، تتحول المشاركة السياسية من أداة شراكة إلى غطاء لشرعنة الظلم.
وفي المقابل، لا يمكن تجاهل ما تحقق داخل إقليم كوردستان منذ عام 2019 مع تشكيل حكومة مسرور بارزاني. فعلى الرغم من الحصار المالي والضغوط الاتحادية، شهد الإقليم خطوات ملموسة في تنظيم الملف المالي، وتوحيد الإيرادات، وتعزيز الاستقرار الأمني، وبناء علاقات دولية متوازنة أعادت للإقليم مكانته السياسية والاقتصادية. هذه التجربة أكدت أن الإدارة الرشيدة قادرة على الصمود، حتى في أكثر البيئات السياسية تعقيدًا.
إلا أن هذا الجهد الداخلي، مهما بلغ من الأهمية، يبقى منقوصًا ما لم يقابله تمثيل كوردي في بغداد بالمستوى ذاته من المسؤولية والوضوح. فالتناقض بين خطاب الحقوق في أربيل، وخطاب الصفقات في بغداد، يعكس خللًا سياسيًا عميقًا. لا معنى لإدارة الأزمات في الإقليم بروح الصمود، بينما تُدار في.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من وكالة الحدث العراقية
