دیکارتیات مؤقلمة الکوجیتو المعکوس

يشير عنوان المقال إلى استعارة ديكارتية -ربما نستطيع وصفها جزافًا بـــــ'الإستعارة الثورية'، مهدت الطريق أمام صحوة تنويرية إنتفضت فيها أوروبا من غبار سنوات من السكولائية المدرسية وحكم الكنيسة الذي تسبب بتأخر أوروبا عن ركب الحضارة.

لقد هيمنت الميتافيزيقا المتمثلة بحكم الكنيسة وعبر آلياتها، إلى حكم مستبد وأيديولوجية شمولية تحتكر الحقيقة وتسقط الشرعية عن كل ما سواها، فلقد أسست الكنيسة أنظمة استبدادية لتأسيس نظام "أخلاق الطاعة"، بدل "أخلاق المسؤولية" وحولت الإيمان إلى رقيب يكبل العقل الحر بدل أن تكون حافزًا لتطويره.

لقد مسخ حكم الكنيسة الزمن التاريخي، محولا إياه إلى زمن لاهوتي مقدس، يقمع أي محاولة للفكر الحر، فأصبح المستقبل تكرارًا للماضي في منظومة عقائدية مغلقة وتحولت المفاهيم الغيبية إلى أدوات لبسط الهيمنة على مفاصل الحياة.

بينما كان الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت Ren Descartes ينهي مؤلفه الثوري 'تأملات في الفلسفة الأولى'، Meditationes de Prima Philosophia عام 1641، كان الجانب الآخر من العالم، وتحديدًا الشرق الأوسط وفي الحقبة ذاتها تقريبًا، يعيش المناخ الفكري بصورة مختلفة تمامًا.

حيث كانت أوروبا تستعد لنهضتها، كان العالم الإسلامي منشغلاً بالصراعات الإمبراطورية بين الصفويين والعثمانيين، وهي صراعات عرقية توسعية كما يذكر المؤرخ 'ألبرت حوراني' 1993-1915 في كتابه الفكر العربي في عصر النهضة، "فقد استُخدم الدين غالبًا،كأيديولوجيا لتبرير الهيمنة السياسية والعرقية، أكثر من استخدامه كقوة دافعة للتغير الثوري" تعرّض الشرق أيضا عبر تاريخه لسلسلة من الكوارث الفكرية، قامت على حراستها وتكريسها نخبة من الفقهاء المتشددين الذين أَطلقوا سهام التكفير ضد كل فكرة حرة أو تجديدية. وقد اعتمد هؤلاء، استراتيجية قائمة على تخويف الخلفاء والحكام من أي إنفتاح على النصوص التراثية الجامدة، مستخدمين في ذلك مبررات تتخفى وراء ظاهر الوحدة والتماسك الإجتماعي، ولكنها كانت تعبر في جوهرها عن مصالح شخصية أو فئوية ضيقة.

هذه الأفكار التي ادعت الحفاظ على تماسك المجتمع، لم تُنتج في الواقع سوى التمزق والفرقة، وكانت عاملاً رئيسيًا في تفكيك النسيج الاجتماعي أكثر من بنائه. وقد أدت هيمنة هذا الخطاب إلى تراجع الفكر المستقل والإبداعي والولوج في نمط إجترار النصوص والجدال الكلامي العقيم، مما خلق هوة سحيقة بين واقع الشرق الفكري والزلزال التنويري والنهضوي الذي كان يعصف بالغرب في تلك الحقبة التي مهد لها فلاسفة التنویر کمخاض فکري أسفر عن الرینیسانس و الثورة الفرنسیة.. الخ.

لم يكن الكوجيتو الديكارتي "أنا أفكر، إذا أنا موجود Cogito ergo sum" مجرد مقولة مجردة أو استنتاج منطقي فحسب، بل كانت كما يصفها الفيلسوف الفرنسي 'جاستون باشلار' 1884-1962 قطيعة إبستمولوجية مع عالم القرون الوسطى. وأنا لست ممن يُـقِرُّون بنظرية القطيعة الإبستمولوجية بل لدي قناعات ليست بالقليلة حول صحة التراكم المعرفي بسلاسة تفتقر إليها نظرية 'باشلار' حول القطيعة.

لقد نقل 'ديكارت' مركز الذات من السماء إلى الذات الإنسانية، مؤسسًا بذلك نموذجًا فكريًا يعتبر من اللبنات الأولى لبناء الإنسان الحديث: كيان مستقل، عاقل، يبني يقينه بذاته أولاً، ثم بالعالم من حوله. جاء الكوجيتو شكًا منهجيا متعمدا، هدفه قلب الموازين الفكرية المؤدلجة التقليدية.

كان فعل الشك لدى 'ديكارت' هو فعل في التفكير ولا بد أن تكون هناك ذاتا فاعلة تقوم بهذه.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من وكالة الحدث العراقية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من وكالة الحدث العراقية

منذ 41 دقيقة
منذ 5 ساعات
منذ 53 دقيقة
منذ 7 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 44 دقيقة
قناة السومرية منذ 18 ساعة
قناة السومرية منذ 11 ساعة
قناة السومرية منذ 3 ساعات
قناة السومرية منذ 13 ساعة
قناة السومرية منذ 6 ساعات
قناة السومرية منذ 10 ساعات
قناة السومرية منذ 8 ساعات
قناة السومرية منذ 12 ساعة