الليرة الجديدة.. كيف تعزز تعافي الاقتصاد السوري؟

تحوّل نقدي تاريخي تشهده سوريا، مع إطلاقها، رسمياً، الليرة الجديدة، في خطوة تعد الأكثر جرأة بعد أكثر من عقد من الحرب والانهيار المالي، كما تمثل حجر الزاوية في مسيرتها نحو التعافي الاقتصادي، وضمن إستراتيجية إصلاحية وطنية شاملة.

الليرة الجديدة التي أطلقها الرئيس السوري أحمد الشرع، الإثنين، تستند إلى حذف صفرين من القيمة الاسمية، حيث ستعادل كل 100 ليرة قديمة ليرة جديدة واحدة.

ومن المقرر أن يبدأ، في الأول من يناير 2026، عملية الاستبدال التي ستستمر لمدة 90 يوماً قابلة للتمديد، مع إمكانية تمديدها بقرار يصدر قبل 30 يوماً من انتهاء المدة المحددة، وفقاً لمصرف سوريا المركزي.

وستتم تنفيذ عملية الاستبدال عبر شبكة مالية موسعة تشمل 59 مؤسسة مالية، وأكثر من 1500 فرع منتشرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، مما يضمن وصول الخدمة لأكبر عدد ممكن من المواطنين.

وتبدأ المرحلة الأولى باستبدال الفئات الكبيرة من الأوراق النقدية 1000، و2000، و5000 ليرة، بينما يستمر تداول الفئات الصغيرة خلال فترة انتقالية محددة، خلال هذه الفترة ستعمل العملتان القديمة والجديدة، جنباً إلى جنب، مع تمتعهما بنفس القوة القانونية الإبرائية، في حين تلتزم جميع المؤسسات العامة والخاصة بتطبيق معيار التحويل على جميع المعاملات المالية، والعقود، والأجور، والأسعار.

سوريا تطلق عملتها الجديدة رسمياً

إصلاح السياسة النقدية

وعن هذا التحول النقدي، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق عبد القادر عزوز في حديثه مع «إرم بزنس» إن عملية استبدال العملة بحذف الأصفار يعد مدخلاً لإصلاح السياسة النقدية، وخطوة لاستعادة الثقة في العملة السورية، مشيراً إلى تجارب مماثلة في عدد من الدول.

واعتبر عزوز أن استبدال العملة ليس تغييراً في القيمة الحقيقية للنقد، مؤكداً أن نجاح هذه التجرية لا بد أن يترافق مع جهود الإصلاح الاقتصادي لمواجهة التحديات، مثل: التضخم المتسارع، وضعف الإنتاج المحلي، وصعوبة توفير المواد الآولية، وتراجع الثقة بالقطاع المصرفي.

ويضيف أستاذ الاقتصاد أن إطلاق العمل الجديدة يعد محطة مهمة في مسار إعادة تنظيم السياسة النقدية، ولكنها ليست عصا سحرية؛ لأن القيمة الحقيقية تظهر في الإنتاج، ودعم العملية الإنتاجية عبر برامج وسياسات اقتصادية يمكن أن تحسن من المؤشرات الكلية للاقتصاد، وتدفع الاستثمار، وتخفض البطالة والفقر، وتزيد نمو الناتج المحلي الإجمالي، بالاستفادة من القطاعات التي تتوافر لها الميزات النسبية، مثل: الزراعة، والصناعات الغذائية، والدوائية.

ضمانات عملية

ووضع مصرف سوريا المركزي مجموعة من الضمانات لضمان سلاسة الانتقال النقدي، حيث ستتحول جميع الأرصدة البنكية والإلكترونية تلقائياً إلى العملة الجديدة مع بداية العام الجديد.

كما ألزمت التعليمات جميع المؤسسات المالية والمنشآت التجارية بعرض الأسعار بالعملتين معاً خلال فترة الاستبدال، وإصدار نشرات صرف رسمية يومية بالعملتين لمنع أي محاولات للمضاربة أو الاستغلال.

ومع إطلاق العملة الجديدة وحذف صفرين منها، سيتغير سعر الصرف الحالي بنفس النسبة، فبينما الليرة القديمة كانت تقدر بنحو 12000 ليرة مقابل الدولار، فإن العملة الجديدة ستكون 120 ليرة مقابل الدولار.

وأكد محافظ مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، أن عملية الاستبدال ستكون مجانية بالكامل، ولا يحق لأي جهة فرض رسوم أو عمولات بأي مسمى كان، مشدداً على أن الهدف هو حماية المدخرات الصغيرة للفئات الهشة، وضمان انتقال سلس للجميع.

كما ألزمت التعليمات بتحرير جميع العقود والوثائق المالية الجديدة حصراً بالليرة السورية الجديدة مع الإشارة الواضحة لنوع العملة، في محاولة لتعميم استخدامها، وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية.

ويعلّق الخبير عبدالقادر عزوز على هذه التعليمات بقوله إن هذه الخطوة لها فوائد في تحسين كفاءة التداول النقدي، ومعالجة المشكلات الفنية المتعلقة بتلف النقد، ويرى أن الانتقال المنظم والمتدرج المصحوب بالشفافية والتوعية عبر الإعلام الاقتصادي يمكن أن يقلل من الآثار السلبية مثل حالة الهلع أو عدم الثقة لدى المواطنين.

الرئيس السوري أحمد الشرع وحاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية خلال حفل إطلاق العملة الجديدة يوم 29 ديسمبر 2025.

السياق التاريخي

وتأتي عملية استبدال العملة في لحظة مصيرية للاقتصاد السوري، الذي يعاني من تداعيات أكثر من 14 عاماً من الصراع المسلح، والعقوبات الدولية.

وخلال السنوات السابقة تخلت الليرة عن دورها القليدي كأداة للتسعير والادخار، وفقدت ثقة المواطنين والمستثمرين على حد سواء، واتسع حضور الدولار في التداولات السورية بوتيرة متسارعة، بما يعكس عمق الأزمة النقدية التي مرّ بها الاقتصاد خلال السنوات الماضية.

وحول مواجهة هذه الظاهرة، يؤكد أستاذ الاقتصاد عبدالقادر عزوز أن استبدال العملة سيخفف من هذه الظاهرة عبر استعادة الثقة، ولكنها مرهونة بالتقدم في خطوات الإصلاح الاقتصادي، إذ يمكنها أن تحد أيضاً من المضاربة على العملة عبر الشفافية، وتفعيل رقابة المصرف المركزي، وتوجيه المواطنين والمصارف والشركات العاملة في سوريا لملاحقة أي محاولة تهدد الاستقرار.

دلالات رمزية وتحديات التنفيذ

من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي السوري يحيى عمر، أن استبدال الليرة السورية لا يقتصر على كونه إجراءً نقدياً تقنياً، بل يحمل في طياته بُعدين متلازمين؛ أحدهما رمزي والآخر عملي. فمن الناحية الشكلية، يرمز طرح أوراق نقدية جديدة إلى طيّ صفحة رموز المرحلة السابقة، بينما يعالج عملياً اختلالات يومية فرضها التضخم، بعدما أصبحت المعاملات التجارية تتطلب حزماً كبيرة من النقد، في حين يُفترض أن يُسهِم الشكل الجديد للعملة في تبسيط التداول، وتقليل الأعباء اللوجستية على المواطنين.

ويشير عمر إلى أن نجاح هذه الخطوة مرهون بآليات التنفيذ أكثر من القرار نفسه، إذ يتطلب الأمر مرونة عالية من الدولة دون تحميل المواطنين أعباء إضافية.

ويُعدّ التوسع في عدد منافذ الاستبدال والتحويل عاملاً حاسماً لتخفيف الازدحام وضمان انسيابية العملية، بما يعزز الثقة العامة ويقلل من التوترات الاجتماعية التي غالباً ما ترافق أي تغيير نقدي واسع النطاق.

وخلال فترة التداول المتزامن بين العملتين القديمة والجديدة، والمقدّرة بنحو 3 أشهر، يتوقع الخبير الاقتصادي احتمال حدوث ارتباك في الأسعار نتيجة سوء الفهم أو محاولات الاستغلال.

ولمواجهة ذلك، يوصي بإصدار نشرات أسعار مزدوجة للسلع الأساسية، تُظهر القيم بالعملتين معاً، إلى جانب تشديد الرقابة على الأسواق لمنع التلاعب وحماية المستهلكين من أي ممارسات غير مشروعة.

كما ينبّه إلى مخاطر ظهور أكثر من سعر صرف خلال المرحلة الانتقالية، رسمي وموازٍ، لكل من العملتين، ما قد يربك السوق ويفتح الباب أمام المضاربات، مؤكداً أن توحيد سعر الصرف وضبط نشاط الصرافة عبر القنوات المرخصة يمثلان شرطاً أساسياً للحفاظ على الاستقرار النقدي، وتجنب تداعيات أعمق على الاقتصاد السوري.

مصرف سوريا المركزي: حذف الأصفار خطوة لتنظيم المعاملات اليومية

تجارب دولية

وحذف الأصفار من العملة ليس أمراً استثنائياً في تاريخ الاقتصاد العالمي، بل أداة اعتمدتها دول عديدة لمعالجة آثار التضخم، واستعادة الثقة بالنظام النقدي.

وأطلقت فرنسا، في العام 1960، «الفرنك الجديد» بعد حذف صفرين، ضمن خطة إصلاح اقتصادي أعادت الاستقرار النقدي، ومهّدت لنمو مستدام، أما تركيا فقد حذفت، في العام 2005، ستة أصفار من عملتها بعد سنوات من التضخم المرتفع، لتبدأ مرحلة «الليرة التركية الجديدة»، في سياق برنامج إصلاحي واسع شمل ضبط الموازنة، وإصلاح النظام المصرفي وتحفيز الإنتاج، وسبقتهما في ذلك ألمانيا التي أطلقت بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في العام 1948، «المارك الألماني»، في خطوة أنهت الفوضى النقدية، وأعادت الثقة بالاقتصاد، وكانت أساساً لانطلاقة التعافي الاقتصادي.

في المقابل، أظهرت تجارب، مثل: الأرجنتين، وفنزويلا، وزيمبابوي، أن حذف الأصفار يفشل عندما يكون إجراءً شكلياً لا يرافقه إصلاح حقيقي أو ضبط للكتلة النقدية، وهذا ما يفسر تأكيد مصرف سوريا المركزي على أن العملية الحالية ليست طباعة أموال إضافية، بل استبدال منضبط ضمن سياسة نقدية واضحة.


هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من إرم بزنس

منذ 6 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 7 ساعات
منذ 8 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 10 ساعات
منصة CNN الاقتصادية منذ 3 ساعات
صحيفة الاقتصادية منذ 5 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 10 ساعات
منصة CNN الاقتصادية منذ 7 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 3 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 8 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ 8 ساعات