كيف نقرأ المشهد الثقافي السوري الشامل في عهد حزب البعث خلال حكم الأسد الأب والإبن؟ رقابة شاملة واستخبارات ومنع كتب ومعارض ومسرحيات وأفلام وتوقيف مبدعين وملاحقة معارضن، وسط جو من الحركة الثقافية المعارضة #نكمن_في_التفاصيل

كثيرة هي أنواع الرقابة التي سادت الثقافة السورية في عهد النظام البائد، وأسهم مثقفون بعينهم في رعايتها وحمايتها، حتى أحالتهم السلطة الأسدية إلى نوع من العسس الثقافي الذي يعمل تحت إمرتها، فاستخدمتهم كي يسهروا على تلميع سمعة القائد الرمز المنزه عن الأخطاء.

لعل اتحاد الكتاب العرب أولى المؤسسات التي دعمتها السلطة القمعية على مدى عقود طويلة من فترة حكمها لسورية، فمن ينسى حادثة طرد أدونيس من الاتحاد بتهمة التطبيع مع إسرائيل عام 1995، وما تلت هذه الحادثة من تجميد لعضوية سعدالله ونوس ونبيل سليمان وسليم بركات وحنا مينة؟ من ينسى اليوم الدور الذي لعبه هذا الاتحاد على مدار أعوام طويلة في جعل الثقافة السورية أقرب ما تكون إلى خردة ثقافية، والاشتغال يوماً إثر يوم على تكريس الرقابة المسبقة على الكتب والمطبوعات والصحف تحت شعار "لا صوت يعلو على صوت المعركة".

لقد عمل مثقفو الأسد، الأب ومن بعده الأسد، الابن على كتابة تقاريرهم اليومية في حق عدد من الكتاب والمثقفين السوريين، وحاربوا بلا هوادة كل حساسية جديدة ومناوئة لهم. وهم بذلك أسهموا مع اندلاع الثورة السورية في مارس (آذار) من عام 2011، في الانقضاض على كل المؤسسات الثقافية، وكانت أولى هذه المؤسسات هي وزارة الثقافة، التي كانت تطرح هامشاً معقولاً لحرية النشر بحضور المفكر الراحل أنطون مقدسي كمشرف على إصداراتها. فإن هذا الأمر لم يستمر طويلاً، فسرعان ما تسرب مثقفو الاستخبارات إلى لجان القراءة، وسيطروا بقوة التخوين والترهيب على معظم مديرياتها.

مسمار في يد مصلوبة في سجون التعذيب ليوسف عبدلكي (صفحة الرسام - فيسبوك)

هكذا مثلاً تم فصل الشاعر نزيه أبوعفش من عمله في مديرية التأليف في وزارة الثقافة، ونقله إلى مصلحة مكافحة المتسولين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. وهكذا تم إتلاف ديوان "داكن" للشاعر منذر مصري الذي صدر عن الوزارة عام 1989 وسُحبت نسخه كاملة من التداول. وبالتوازي تم منع أقسام الأدب العربي في الجامعات السورية من تناول كتب أدونيس وعادل محمود ومحمد الماغوط ومنذر مصري ورياض الصالح الحسين في رسائل الماجستير والدكتوراه، مثلما تم تحريم تناول تجربة فواز حداد ونبيل سليمان وروزا ياسين حسن في الدراسة الأكاديمية، وقد صدرت قرارات صارمة من فروع حزب البعث في هذا الشأن.

الإرهاب الفكري

لم تكن الصحافة الثقافية السورية في منأى عن هذا الإرهاب الفكري، فقد تم التخلص على مراحل، من الصحافيين والكتاب المشاغبين في الصحف الرسمية، فكثرت الاستدعاءات لهؤلاء إلى الفروع الأمنية، فيما تم إيقاف عدد منهم عن الكتابة، في وقت تم نقل آخرين إلى محافظات ومدن بعيدة من العاصمة لإبعادهم عن المشهد. ولعل أبرز حادثة في هذا السياق هي إيقاف جريدة "الدومري" الخاصة، لصاحبها ورئيس تحريرها الفنان علي فرزات عام 2003، وذلك بعد صدور عدد للجريدة نشر ملفاً بعنوان "الإيمان بالإصلاح". الملف شارك في تحريره نخبة من كتاب ومفكرين سوريين، ومنهم ممدوح عدوان وميشيل كيلو وعادل محمود وحكم البابا وفارس الحلو ومية الرحبي. أرسلت سلطات الأسد الابن وقتها قوات من الأمن والشرطة إلى المطبعة لمصادرته، بحجة "التطاول على القيادة السياسية". ولعل الجميع بات يتذكر الحادثة التي تعرض لها رسام الكاريكاتير علي فرزات عندما قامت جماعات من الشبيحة باختطافه، وتكسير أصابع يديه بعد إعلان وقوفه إلى جانب الشعب السوري في ثورته.

من تظاهرة امام صالة سينما الكندي في دمشق (سوشيل ميديا)

زاولت السلطة الأسدية طوال نيف وخمسين عاماً شتى أنواع الترهيب ضد المثقفين، وهذا لم ينحصر في مجال النشر والطباعة. فقد أطلق على كل مؤسسة وطنية اسم عائلة الأسد، فالمكتبة الوطنية صارت "مكتبة الأسد" ودار الأوبرا السورية هي "دار الأسد للثقافة والفنون"... وسط هذا المناخ القاتم سيطر كتاب التقارير وشعراء المراكز الثقافية على مفاصل النشر والكتابة، وتم تطفيش كل من يوجه نقداً ولو بالتلميح إلى الرئيس المفدى. وتمت الاستعانة لأداء هذه المهمة بمن يطلق عليهم لقب "حراس البوابة"، وهم في الأصل مخبرون مستترون خلف مناصب مديرين ورؤساء تحرير. ويذكر عدد من المثقفين التعميم الشهير الذي أصدره وزير الإعلام في حكومة النظام عام 2002، الذي منع بموجبه الصحافيين والكتاب من نشر أي مادة تنتقد وزارة الثقافة إلا بعد أن تطلع وزيرة الثقافة عليها.

كل هذه الإجراءات تزامنت مع استيلاء اتحاد الكتاب ووزارة الإعلام على رقابة الدوريات والصحف والكتب، والجميع يذكر تلك الصفحات المجتزأة أو الممزقة من الصحف العربية، التي كان موظفو المؤسسة العامة للمطبوعات ينتزعونها من الصحف العربية قبل السماح بتداولها في منافذ البيع. كل شيء كان مراقباً في دولة البعث، لكن الثقافة هي أولى ضحايا هذا النظام، وأسهم مثقفو السلطة وأبواقها في تخوين كثيرين، فامتلأت قوائم منع السفر لمثقفين ومفكرين وكتاب، واكتظت السجون المرعبة بمعتقلي الرأي الذين قضوا أعواماً طويلة من أعمارهم خلف جدران السجون، لعل أبرزهم كان ميشيل كيلو وفاتح جاموس وغسان جباعي وفرج بيرقدار وثائر ديب وسلامة كيلة وجورج صبرا ورياض سيف.

السينما السورية هي الأخرى لم تسلم من هذا التضييق والرقابة وحملات التخوين، إذ لعبت المؤسسة العامة للسينما دوراً جوهرياً في إبعاد عدد من السينمائيين المعارضين عن خطة إنتاجاتها، وتباعاً تم منع عدد من أفلامهم من العرض. ولعل الجميع يتذكر كيف طلب حافظ الأسد شخصياً مشاهدة فيلم "نجوم النهار" لمخرجه أسامة محمد في صالة المكتبة الوطنية، وكيف تم دفن هذا الشريط الروائي الطويل بعد ذلك في أدراج المؤسسة. عقاب جماعي تعرضت له أفلام حققها كل من محمد ملص ونبيل المالح وسمير ذكرى وقيس الزبيدي ورياض شيا، فأبعد هؤلاء عن برامج الإنتاج، وتم وضعهم على القائمة السوداء.

ملاحقة القطاع الخاص

محمد ملص وعمر أميرلاي في بداية الحلم (صفحة ملص - فيسبوك)

هذا المصير لم يكن أسوأ من المصير الذي لقيته أفلام القطاع الخاص في سوريا مع مجيء الأسد الابن إلى السلطة عام 2000، فقد مارس الرئيس المخلوع سياسة أبيه، وكرست الرقابة في المؤسسة عسفها على أفلام سينمائية عدة، لعل أبرزها كان فيلم "الليل الطويل" لحاتم علي الذي تعرض فيه لواقع المعتقلين السياسيين في السجون السورية، فيما تم منع فيلم "غيلان الدمشقي" لمخرجه هيثم حقي، ومثله تم منع معظم أفلام عمر أميرالاي الوثائقية، مثل "طوفان في بلاد البعث" وفيلم "الحياة اليومية في قرية سورية".

حال السينما السورية لم يختلف كثيراً مع موجة أفلام الحرب، فقد اضطر المخرج محمد عبدالعزيز إلى إعادة عمليات المونتاج لفيلمه "الحرائق" أكثر من 20 مرة، بعد أن طلبت لجان المشاهدة منه اقتطاع كل صور الرئيس الهارب من مشاهد الشريط الروائي الطويل. جاء ذلك وفق تفسير لكل لقطة من لقطات الفيلم، ومن ثم تأويلها بما يبعد عن أعضاء لجنة الرقابة أي مساءلة. كذلك الأمر كان بالنسبة لفيلم "ياسمين شوكي" لمخرجه غسان شميط، في حين رفضت الرقابة في مؤسسة السينما إنتاج عدد من السيناريوهات التي قدمها كل من سمير ذكرى ومحمد.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 4 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 7 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 16 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 5 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 12 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 8 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 18 ساعة
بي بي سي عربي منذ ساعتين
بي بي سي عربي منذ 7 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 4 ساعات