على رغم رسائل التطمين الصادرة عن قائد "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) والإدارة الجديدة في سوريا إلى الداخل والخارج، تثير أدوار المقاتلين الأجانب في سوريا هواجس أمنية لدى دول المنطقة، خشية عودتهم لبلدانهم مجدداً، أو استقطاب مزيد من المقاتلين من تلك البلدان، فضلاً عن سيناريو "تصدير النموذج"، بخاصة في الدول التي تشهد اضطرابات وانقسامات سياسية في المنطقة مثل ليبيا والسودان.
ويؤكد مراقبون مختصون في شؤون التنظيمات الإرهابية تحدثوا لـ"اندبدنت عربية" أن هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها، ضمت خلال السنوات الأخيرة قيادات عديدة ومقاتلين من الجنسية المصرية، من بينهم إرهابيون هاربون من مصر خلال الفترة من 2011 إلى 2013، بينهم أبو الفتح الفرغلي أو يحيى طاهر الفرغلي، الذي يعد أبرز شخصيات الصراع السوري، الذي ظل الذراع اليمنى للجولاني في الهيئة حتى عام 2022، حين أعلن خروجه منها، ليعود مجدداً للظهور في دمشق بعد سقوط النظام السوري، وتثير عودته التكهنات حول موقعه الجديد.
ووسط أنباء عن فرض بعض دول المنطقة قيوداً أمنية جديدة على دخول السوريين والقادمين من سوريا إليها، شهدت اجتماعات العقبة حول سوريا السبت الماضي تشديد الدول العربية والولايات المتحدة وتركيا على "أهمية مكافحة الإرهاب والتطرف، بما في ذلك منع عودة ظهور كل المجموعات الإرهابية، والمطالبة بألا تشكل الأراضي السورية خطراً على أية دولة أو ملاذاً للإرهابيين"، مما يعكس بوضوح الهاجس الأمني الذي أسهم بطريقة أو بأخرى في إطالة عمر نظام الأسد منذ اندلاع الثورة عليه، خوفاً من تحول سوريا إلى "أفغانستان جديدة" بالشرق الأوسط والمنطقة العربية.
وطن "القاعدة" الرابع
يعتقد عمرو عبدالمنعم، الباحث في شؤون الإسلام السياسي، أن السيناريو الأخطر في سوريا من الناحية الأمنية يمثل في تحولها إلى ما يمكن تسميته "الوطن الرابع لتنظيم القاعدة"، بعدما اتخذ التنظيم معاقل له في أفغانستان والعراق وسوريا خلال الحرب، وصولاً إلى سوريا الجديدة ما بعد سقوط بشار الأسد، مما يتيح لتلك التنظيمات والحركات "فرصة نادرة" لإعادة إنتاج تصور لمرحلة جديدة من "عولمة الجهاد" تتوافق مع الواقع العالمي والعربي الجديد.
ويرى عبدالمنعم أن شخصية الجولاني ونهجه البراغماتي يمكن أن يعملان على كبح جماح الفصائل المنضوية تحت قيادة العمليات العسكرية حالياً، ويعقد التحالفات والمصالحات في ما بين التنظيمات المتحاربة، لكن من دون ضمانات على إمكان احتواء هذه التشكيلات والفصائل المسلحة في المستقبل القريب، بخاصة أن ما يصل إلى نصف عديد هذه الفصائل من العناصر الأجنبية والمقاتلين من الجنسيات المختلفة التي حاربت في سوريا خلال سنوات الحرب الأهلية، بينهم "الفرغلي" الذي كان على رأس مجموعة من الشرعيين المصريين، الذين عملوا على تدريس السياسة الشرعية للمقاتلين، وكان من المنتمين للجماعة الإسلامية، وألف كتاباً بعنوان "الطريق إلى الخلافة" خلال الحرب السورية بعد هربه من مصر عقب أحداث 2011، وكان له دور بارز في "هيئة تحرير الشام"، كما تبرز أسماء أخرى لإرهابيين يعرفون بكنيات غير معلومة الهوية، مثل أبو لؤي المصري وأبو محمد المصري.
وفي مقابل ذلك يذهب مدير المركز الوطني للدراسات بالقاهرة هاني الأعصر إلى أنه في اللحظة الراهنة لم يعد هناك مناخ مناسب ودوافع للقتال بعد التحول إلى العملية السياسية، كما أن الدول بالمنطقة لن تسمح بتحول سوريا إلى ملاذ آمن للإرهابيين، فهناك عدد من الإجراءات الأمنية الاحترازية التي تتخذ في هذا السياق، لكن الهاجس الأمني من الوضع السوري لا يزال قائماً إذا حدث تصعيد وفوضى والعودة لدائرة الصراع المسلح من جديد وهو سيناريو مرجح.
وبحسب الأعصر يشمل هذا السيناريو حدوث صراعات بين التنظيمات المسلحة وبعضها بعضاً نتيجة رفض تسليم السلاح قبل الوصول إلى اتفاق وانتقال سياسي، بينما تتجه خلايا تنظيم داعش النائمة إلى العودة، بخاصة في ظل المخاوف من استكمال عناصرها استراتيجية هدم الأسوار ومحاولاتهم للخروجهم من السجون ومخيمات الاحتجاز في الشمال السوري التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بدعم من الولايات المتحدة.
ويتابع "في ظل هذا السيناريو من المرجح ظهور كيانات مسلحة جديدة، بخاصة في ظل انهيار المؤسسة العسكرية والأمنية في سوريا، يمكن أن تنتج تنظيمات مسلحة تقاتل على الأرض من منطلق أنهم يواجهون من اختطف الدولة، مثل تجربة سقوط النظام العراقي بعد 2003، وحل القوات المسلحة والاستخبارات، إذ أدى ذلك إلى انضمام عناصر من الجيش والأجهزة الأمنية العراقية لبعض التنظيميات والميليشيات من أجل مقاومة الاحتلال آنذاك".
سيناريو "العائدون"
يوضح صلاح الدين حسن، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أنه لا توجد إحصاءات عن أعداد دقيقة لمصريين في تنظيمات عاملة في الحقل الجهادي في سوريا، ولا حتى عن أعداد القتلى أو السجناء منهم. مضيفاً "تقديري أن عدد المقاتلين من الجنسية المصرية في تنظيم داعش لم يتجاوز 500 عنصر في ذروة التنظيم، كما أن ذلك كان يلاحظ في قيادة التنظيم نفسه، لأن المصريين الذين شاركوا بالقتال في سوريا أكثر ميلاً لأفكار القاعدة من تنظيم داعش، لأنهم يميلون إلى وسط هذا التيار، فتوجهوا إلى تنظيم جبهة النصرة في البداية، وتوزعوا على تنظيمات تابعة للقاعدة مثل (حراس الدين)، ولم تتجاوز أعدادهم بضع مئات، بالتالي فهم ليسوا بأعداد ضخمة تهدد عودتها الأمن القومي المصري بصورة كبيرة".
ولفت حسن إلى أن الأجهزة الأمنية والاستخبارية تعرف أسماء الموجودين في "هيئة تحرير الشام"، ومعظم ملفات العابرين من الحدود التركية - السورية موجود في يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والولايات المتحدة ولدى الأجهزة الأمنية المعنية في بلدان عدة، بالتالي من الصعب أن تتسلل خارج سوريا، و"حتى الآن لا أحد يعرف كيف ستتعامل الهيئة مع العناصر الأجنبية بها، سواء مصريين أم غيرهم، والجولاني لن يفرط فيهم بسهولة، ومن الوارد أن يجري تجنيسهم وضمهم للجيش، أو أن يجري استغلالهم في منطقة صراع أخرى أو نقلهم إلى بؤرة مشتعلة وقريبة في المستقبل".
"خلال سنوات الثورة برز عدد من قياديي القاعدة المصريين الذين حاولوا وضع جبهة النصرة تحت قيادة القاعدة في ظل وجود أيمن الظواهري في قيادة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية