في السادس عشر من ديسمبر الجاري، قررت اللجنة الثلاثية لشؤون العمل الأردنية، رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص من 260 ديناراً (367 دولاراً) إلى 290 ديناراً (409 دولارات)، على أن يُطَبَّق القرار اعتباراً من أول يناير 2025، ولمدة عامين.
آخر زيادة للحد الأدنى للأجور كانت في 2021، ولكن مع تزايد المطالب برفع قيمته خلال الأعوام الماضية، استجابت الحكومة، مؤخراً خلال الشهر الجاري، بزيادته بنحو 30 ديناراً، في إطار خفض الأعباء المعيشية على الأفراد والأسر في الأردن.
مخلد العمري، الأمين العام السابق لهيئة الاستثمار الأردنية، قال في حديث مع «إرم بزنس»، إن الأسرة المتوسطة تحتاج إلى نحو 700 دينار شهريا لتغطية نفقاتها، وفقاً لتقديرات المرصد العمالي الأردني.
يضغط ارتفاع التكاليف المعيشية في الأردن بشدة على رواتب الأفراد التي تعاني الثبات في مقابل نمو متواصل لأسعار غالبية السلع والخدمات في ظل تأثير التوترات الجيوسياسية على حركة التجارة التي تأثرت بشدة جراء هجمات ميليشيات الحوثي على خطوط الملاحة العالمية جنوب البحر الأحمر.
«السبب الرئيس وراء تآكل رواتب الأردنيين هو ثباتها أو خضوعها لزيادات محدودة مقابل ارتفاع مستمر في المصاريف ومعدلات التضخم بما يعمّق من الأزمة، ويضغط على القدرة الشرائية للأفراد» بحسب العمري، مضيفاً أن نحو 85% من سكان الأردن ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة ويعانون زيادة الأعباء والقروض المتعددة التي ترتفع بالتزامن مع نمو سعر الفائدة.
تُظهر البيانات الرسمية، أن معدلات التضخم السنوية في الأردن سجلت ارتفاعاً بنسبة 3.7% حتى نهاية أكتوبر العام الحالي، مدفوعة بزيادة أسعار الغذاء والطاقة والخدمات، وفقاً لبيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية.
أسباب تنامي الأسعار
يُرجع رئيس مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، أحمد عوض، ارتفاع الأسعار خلال العقود الثلاثة الماضية نتيجة الضرائب غير المباشرة، وارتفاع ضريبة المبيعات، والضرائب الخاصة على الوقود والاتصالات والتبغ، والتي تضغط في النهاية على رواتب الأفراد والأسر مقابل بقاء الأجور ثابتة دون زيادات ملموسة.
سجلت الإيرادات العامة لموازنة الأردن خلال أول 10 شهور من العام الجاري نحو 7.2 مليار دينار أردني بارتفاع 90.8 مليون دينار عن الفترة نفسها من العام الماضي وفق بيان صادر عن وزارة المالية.
وتظهر البيانات التي اطّلعت عليها «إرم بزنس»، أن الإيرادات الضريبية تشكل نحو 75% من الإيرادات، بقيمة 5.4 مليار دينار أردني، فيما تمثل الضريبة على السلع والخدمات نحو 65% من إجمالي الحصيلة الضريبة بوجه عام.
وأضاف عوض أن ضعف جودة الخدمات العامة، خاصة في مجالات الصحة، والتعليم، والمواصلات، يدفع الأسر إلى اللجوء إلى خدمات القطاع الخاص الأكثر تكلفة.
«عدم وجود وسائل نقل عام فعال مثل القطارات، يُجبر المواطنين على اقتناء سيارات خاصة، مما يضيف مزيداً من الأعباء المالية على الرواتب المتآكلة» وفق عوض.
ورغم ارتفاع الأسعار الذي تعانيه الأردن، في مقابل ثبات الرواتب الحقيقية للأفراد، تكتظ الأسواق والمطاعم والمقاهي بالرواد، بما يتطلب معه معرفة طبيعة الإنفاق والاستهلاك، ومصادر تمويل هذه النفقات.
تمويل الاستهلاك بالاقتراض
الأمين العام السابق لهيئة الاستثمار الأردنية يطرح تصوراً يفسّر التناقض، قائلاً: «هذه الظاهرة تحمل تناقضات تعكس سلوكيات اقتصادية واجتماعية متعددة، منها تمويل الاستهلاك بالقروض».
تظهر بيانات البنك المركزي الأردني أن مديونية الأفراد لدى البنوك بلغت 13.3 مليار دينار حتى نهاية العام 2023، كما أن العبء المالي الشهري للأسر الأردنية المقترضة وصلت إلى 44.2% من رواتبها.
وأوضح العمري، أن مظاهر الازدحام في الأسواق والمطاعم، يعكس أن الإنفاق يموّل عبر القروض، والتسهيلات الائتمانية، ما يزيد الأعباء المالية على الأفراد والأسر.
وأشار إلى أن بعض السلوكيات الاقتصادية يمكن تفسيرها على أنها محاولات للتكيف والتنفيس عن الضغوط النفسية والمعيشية، فضلاً عن أن هناك تفاوتاً طبقياً، إذ توجد فئة محدودة من المجتمع تتمتع بدخول مرتفعة ما يخلق انطباعاً مضللاً عن مستوى الرفاهية العامة.
حلول مستدامة
رئيس مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، أحمد عوض، يرى، أن الوضع الاقتصادي يتطلب حلولاً مستدامة للتخفيف من وطأة الأزمة «أحد الحلول يتمثل في إعادة هيكلة النظام الضريبي الذي يعتمد بنسبة 76% على الضرائب غير المباشرة».
ودعا عوض إلى تخفيض هذه الضرائب وتعويضها من خلال توسيع قاعدة ضريبة الدخل التصاعدية المفروضة على الشركات والأفراد من ذوي الدخول المرتفعة.
وأضاف، أن الحلول الضريبية تأتي مصاحبة للعديد من السياسات المتعلقة بالأجور، وتطوير الخدمات العامة التي ستؤثر إيجاباً على نفقات الأفراد.
وطالب مفضي المومني، الباحث المتخصص في التعليم والتدريب المهني والتقني، إلى جانب إعادة النظر في سياسة الأجور، بتخفيف الضرائب على القطاعات الإنتاجية، ودعمها بما يوفر فرص عمل جديدة، ويرفع الأجور ويحسنها عبر علاقة متوازنة بين العمال وأصحاب الأعمال.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس