مقالات سلطان في «الخليج».. إبداع أدبي ومعرفي عنوانه التشويق

عندما يخط القلم إبداعاً، وتتحدث الحروف جمالاً، وتوقظ الكلمات مامضى من ذكريات لاتزال يحتضنها القلب، فتعود نابضة متدفقة، عبر سرد يفوق الروعة، في السلاسة، والجاذبية، فتتهادى على الأوراق لتسجل لوحة من التشويق، والإبهار.

هكذا هي مقالات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، التي تنشر كل يوم اثنين، في صحيفة «الخليج» التي شرّفها سموه بعباراته الأسبوعية، فأضحى مجتمع الإمارة ينتظرها بشغف، للتزود بما تنطوي عليه من معلومات، وعلم، وثقافة، وتنوير بمعانٍ كثيرة، وإضاءات لخبايا وخفايا، وتذكير بأحداث طوتها الذاكرة، وأتت السنوات على بعض من تفاصيلها.

وربما في وصف مقالات سموه حال محال، فالكلمات عصيّة عن التعبير الحق المستحق لسموه، فما تجسده مفردات سموه الراقية ليست مجرد أدبيات لغة أو بلاغتها، وإنما إبحار في عالم يتخطى نطاق واقع الكتابة التقليدية المعتادة، إلى ما هو استثناء في ظاهره ومضمونه، فالحكي لدى سموه مختلف، والشرح والبيان مضيء بما تهفو النفس لمعرفته، والعقل لاكتشافه، والفكر للغوص فيه، وكشف طلاسمه.

بالمرور على بعض إبداعات سموه الأسبوعية، وفي مقتطفات منها، تتصدر مقالات سموه عن بعض قصص القرآن الكريم، وفي ذلك كان سموه قال في مداخلة هاتفية في برنامج «الخط المباشر» الذي يبث عبر أثير إذاعة وتلفزيون الشارقة: «أدعو الله أن يوفقني بإذنه تعالى في كتابة القصص الموجودة في القرآن الكريم، مع العلم بأنني عندما أكتب لا أخوض في تفاصيل شائكة، ولا أخرج عن نصوص الآيات الكريمة».

وأضاف سموه: «بإذن الله يتم نشر هذه الكتابات كل يوم اثنين أسبوعياً في صحيفة الخليج، وإن شاء الله ينتفع الناس بها، وتزيدهم رغبة في تدبر معاني القرآن الكريم والاستمتاع بما جاء في الكتاب الكريم من حكم، فجميع القصص المذكورة في القرآن الكريم ليست للتسلية، وإنما للإيمان وأخذ العظة والعبرة».

وواصل صاحب السمو حاكم الشارقة: «الكتابة عن القصص الموجودة في القرآن الكريم هي نهر من الحكم والمواعظ لا ينضب أبداً، فالقرآن الكريم به الكثير من القصص، ويجب على المفسر أن يعرف المعاني اللغوية والأحداث والتاريخ، ليتمكن من فهم القيمة الكامنة في كل قصة»

«فعلى سبيل المثال عندما نقرأ الآية رقم 83 من سورة الكهف، عندما قال الله سبحانه وتعالى:«وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ»، فإذا تساءلنا هنا من هم الذين يسألون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين؟ ولماذا يسألون؟، فسنجد أن اليهود هم الذين يسألون سيدنا محمد«صلى الله عليه وسلم»، على الرغم من أنهم يعرفون قصة ذي القرنين».

واستطرد صاحب السمو حاكم الشارقة قائلاً:«والآن بعد أن علمنا أنهم سألوا سيدنا محمد عن قصة ذي القرنين بالرغم من معرفتهم بها، سيصبح لدينا تساؤل آخر وهو «لماذا يسألون الرسول عنها وهم يعرفونها؟»، والإجابة هي أن سؤالهم للرسول عن قصة ذي القرنين كان «بمثابة اختبار وتحدٍّ»، فإذا كان محمد حقاً نبياً ورسولاً سيعرف هذه القصة التي لا يعرفها أحد غيرهم، حيث إن قصته تعود إلى 332 عاماً قبل الميلاد، وقد سافر وتنقل وذهب إلى السند والهند».

«وفي القرن الثاني قبل الميلاد كتب رجل يدعى «دانيال» عن ذي القرنين، -أطلقوا على كتاباته «سفر دانيال»-قال إن ذا القرنين كان ملك فارس، وهي معلومة خاطئة، فذو القرنين ليس بفارسي وإنما هو إغريقي، فعندما سأل اليهود سيدنا محمد عن قصة ذي القرنين في الوقت الذي إذا طُلِب فيه من أي إنسان أن يبحث ويأتي بقصة ذي القرنين لن يتمكن من معرفتها، أوحى الله عز وجل إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بقصة ذي القرنين كاملة كما جاءت في تاريخ الإغريق، وهذا من إعجاز القرآن».

«في الشندغة.. عشت ليالي وأياماً

ومن أحاديث الذاكرة، يمزج صاحب السمو حاكم الشارقة بين تاريخ الأيام العبقة، وتفاصيل واقعة عاشها سموه حينذاك، في مقالة له بعنوان «في الشندغة.. عشت ليالي وأياماً، وفيها يروي:«في شهر مارس من عام 1948، كنت جالساً في المخزن (مقر الإقامة) مع والدي، قبل ظهر ذلك اليوم، عندما دخلت والدتي علينا، وقد بان عليها الحزن، وهي تقول: «محمد... أمي حمدة عندي، تريد تسلم عليك».

والدي: «خلّيها تدخل»، دخلت علينا جدتي حمدة بنت علي الرميثي، ومعها حفيدها غانم بن ناصر المري وتناديه الشيبة، على اسم جدّه وجدّي غانم بن سالم الشامسي، جدتي: «السلام عليك يا محمد»، والدي: «وعليك السلام، أهلاً بحمدة، من هذا الولد؟!»

جدتي: «هذا غانم ولد بنتي عوشة، وأنا جئتك عن موضوع هذا الولد،

السالفة وما فيها أن عوشة مثل ما تعرف تزوجها ناصر المري من ديرة، وجابت هذا الولد، ما قدرت تعيش في ديرة، تطلّقت منه وتزوجها سيف بن ثالث، وأخذها لبيته، وبقي الولد عندي، وأنا التي ربيته، قبل ثلاثة أيام جاء عندي أبوه يريد يأخذ الولد.

أنا رفضت، والبارحة جاءنا مع رجل مسلّح في يده تفك، وقال: هذا من طرف الشيوخ. (تفك: كلمة فارسية وتعني بندقية، والبندقية: كلمة فارسية معربة عن كلمة فارسية: بندوق). جايب شخص بسلاح!!! يرضيك يا الشيخ محمد؟... امنعهم عني»، والدي: «ما أقدر»، جدتي: «أفا... أول مرة أسمع شيخ يقول ما أقدر!!!»، والدي: يضحك... «يا حمدة، دبي لها شيوخها يحكمون فيها، ونحن في الشارقة، وأمرنا فقط على الشارقة».

بكت جدتي، ودخلت علينا والدتي، جدتي: «هذا الولد يؤنسني، ما عندي حد»، والدي: «هذه بنتك مريم، إذا توافق تعطيك سلطان لمدة كم يوم، وستهدأ الأمور إن شاء الله»، والدتي: «أنا ما عندي مانع»، جدتي: «يالله بنسير عنكم، قوموا يا عيال»، والدي: «اصبري يا حمدة، السيارة ستوصلكم إلى دبي»، قام والدي ودفع بعض المال لجدتي حمدة، وأعطاني بعضاً من المال، بينما والدتي تحضّر بقشة فيها ملابسي، (بقشة: كلمة تركية بمعنى: صرة).

والدي: «سلطان، اذهب إلى السائق عبد الله بندري، وأخبره أن يحضر السيارة التي ستأخذكم إلى دبي»، بعد الغداء ركبنا السيارة، جدتي وغانم وأنا وانطلقت بنا إلى دبي، حتى إذا ما وصلنا مشارف ديرة وإذا بي أشاهد قلعة لها أرجل، قال عبد الله بندري، هذه مربعة أم الريول، وصلنا إلى موقف سيارات الأجرة، وأخذنا طريقنا إلى سوق ديرة، وكان أوله غير مسقوف، وبقيته مسقوفاً بسعف النخيل، حتى وصلنا رصيف العبرة، وكان مكاناً واسعاً حيث العبرات كلها على الرصيف. ركبنا العبرة وأخذ العبار يجدّف في خور دبي، متجهاً إلى الجنوب الشرقي، كان ذلك أوسع مكان في خور دبي، فوصلنا إلى رصيف ضيق في بر دبي، حيث العبرات ملتصقة مع بعضها والمكان بعد الرصيف ضيق، وبه البانيان (طائفة من الهنود) يدخلون ويخرجون من السكة إلى يسار الرصيف، أما عن يمين الرصيف فكان سوق بر دبي.

بداية سوق بر دبي ضيقة ومسقوفة بسعف النخيل، ثم تنفتح فجأة على سوق واسع ومسقوف، إلى درجة أن أصحاب المحلات التجارية، كانوا يعرضون بضائعهم أمام محلاتهم على طاولات وضعت عليها أصناف من الفواكه والحلويات، يصل سوق بر دبي إلى سوق السمك الواقع على خور دبي على الضفة الجنوبية منه، عندها ينتهي السوق ونمشي في أرض مكشوفة، إلى يسارنا مبنى مستطيل تخرج منه أصوات متلاحقة: تكتك... تكتك... تكتك...»

التفتُّ إلى جدتي قائلاً: «ما هذا الصوت»؟!، قالت: «هذه مكينة الطحين، كل من يريد يطحن حبه، يجيبه هنا ويطحنون له»، إلى يميننا مبنى مربع عالٍ، قلت: وما هذا؟ قالت جدتي: «هذه مربعة مال الشيوخ»، وأمامنا بحر واسع، حتى إذا ما وصلنا أطرافه قلت: بحر... أين العبرة؟، ضحكت جدتي وضحك معها غانم، قالت جدتي: انظر إلى تلك المباني في آخر البحر، على قولك، تلك الشندغة، نحن نسكن هناك.

قلت: كيف نعبر هذا البحر؟! قالت جدتي: هذه تسمى الغبيبة، وإذا ارتفع البحر غطاها، وإذا انخفض نشفت، شوف أخوك غانم واعمل مثله.

خضنا ذلك البحر الذي وصل إلى ركبنا حتى وصلنا الشندغة، وإلى ذلك البيت الكبير، قلت: جدتي، هل هذا بيتكم؟!، قالت: هذا بيت الشيخ مبارك بن علي الشامسي، مررنا من خلفه إلى سكة ضيقة، معظم البيوت من سعف النخيل، وإلى يميننا مبنى بالجص، وفتحت جدتي باباً في تلك السكة ودخلت، ودخلنا خلفها إلى بيت به خيمة وعريش ومطبخ، كلها من السعف.

قلت لجدتي: هذا فقط بيتك؟!، قالت جدتي: «هذه جنتي، رائحة جدك، الله يرحمه، في هذا المكان».

«ثالثة الأثافي»

ويتذكر سموه في مقاله «ثالثة الأثافي» ماضي أيام دراسته في جامعة القاهرة، وارتباطه بالقراءة، واهتمامه بها، وحرصه على اقتناء الكتب في مختلف العلوم والمعارف، حيث كتب سموه «في نهاية عام 1965، كنت طالباً في السنة الدراسية الأولى في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وقد وصلتها متأخراً عن بداية الدراسة، فلم أتعرف على الطلبة، ولم أكن من المترددين على مطعم الطلبة، حيث كان كخلية نحل، مزدحماً بالطلبة، أما الطالبات فكانت لهن استراحة الطالبات في الدور العلوي من المطعم.

وأنا أجول بنظري في الساحة المتوسطة لمباني الكلية، لمحت أن هناك بساطاً أخضرَ من الحشائش يمتد إلى سور الكلية وفي نهاية ذلك البساط الأخضر مبنى من خشب، يقال له: كُشك، كُتب على واجهته: «مكتبة الأنجلو المصرية»، في ذلك الكُشك جلس رجلٌ، مرتدياً ثوباً مما يلبسه المصريون والسودانيون، يقال له: القلابية، حيث تنقلب بين الخلف والأمام، ألقيت عليه التحية،.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الخليج الإماراتية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الخليج الإماراتية

منذ 4 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 6 ساعات
صحيفة الخليج الإماراتية منذ ساعتين
صحيفة الاتحاد الإماراتية منذ 21 ساعة
موقع 24 الإخباري منذ 11 ساعة
صحيفة الاتحاد الإماراتية منذ 8 ساعات
موقع 24 الإخباري منذ 12 ساعة
موقع 24 الإخباري منذ 20 ساعة
صحيفة الخليج الإماراتية منذ 14 ساعة
صحيفة الخليج الإماراتية منذ 14 ساعة