تنتهي الحلقة الأخيرة من "خريف القلب" بلقطة "كلوس أب" لوجه راشد السرب (عبدالمحسن النمر) وهو يتصدع في الشاشة مثل كل الوجوه في نهايات الحلقات السابقة. صورة البطل النجم آخر ما يراه المشاهد، لتنطبع في ذاكرته صورة راشد وهو راحل إلى حيث يرتب الفوضى في داخله، بعد موت زوجته وحبيبته نهلة (إلهام علي)، التي تقتسم معه، في الثواني الأخيرة، الحضور أمام المشاهد صورةً وصوتاً حتى بعد موتها، وهو يسترجع لحظات بصرية صوتية من حياتهما السعيدة القصيرة. كما تحضر نهلة، قبل ذلك، صوتاً أثناء قراءة ابنتيها أمل (جود السفياني) وشوق (ميرال مصطفى) رسالتيها إليهما.
قبل تلك الثواني التي تؤكد مركزية راشد ونهلة، تظهر فرح (لبنى عبدالعزيز الخالدي) في لقطة طويلة، واقفةً في البوابة، وحيدة، كأنما تنتظر تراجع راشد عن فكرة السفر، ثم تنضم إليها أمل وشوق بعد قراءة الرسالتين. تضمهما إليها، بينما تبقى الكاميرا بعيدة عنهن، مكتفية بإظهارهن في لقطة طويلة. لم تقترب منهن اقترابها من راشد، ولا تتريث أمامهن لثوانٍ أكثر، إنما تنسحب بسرعة كي تقتنص "راشد" في اللقطة المشار إليها في البداية.
بانحيازها لراشد، تتخلى الكاميرا عن فرصة مشهد أفضل بصرياً وجمالياً ودلالياً لو أطالت وقفتها أمام فرح وابنتيها وأظهرتهن في لقطات متوسطة و"كلوس أب" لترتفع بعد ذلك لتصطادهن في لقطات أخيرة من أعلى وهن واقفات حزينات وحائرات في عزلة عمّا حولهن في انتظار المجهول، لأنهن بالفعل يواجهن المجهول - الفتاتان بعد فقد أمهما المشتركة وأبيهما الراحل بحثاً عن توازنه النفسي، وفرح الحزينة، وربما النادمة على أنها كابرت وطلبت منه الطلاق، وكان ينتظر ذلك. أما راشد، فرغم اهتزاز عالمه إلا أنه يعرف ما دواء جرحه- الهروب إلى العزلة. لكن كما ذكرت انحازت إليه الكاميرا، أو بالأحرى انحاز المخرج الضمني أو صانع الدراما الضمني، أو صانع الدراما الافتراضي. ربما أراد إنهاء المسلسل بنهاية مفتوحة، بصورة راشد المتصدعة كنهايات الحلقات السابقة كأنما لتوحي بحلقة تالية قادمة، هي بداية موسم ثانٍ من "خريف القلب".
استعارة وتغيير المفاهيم
لأن بين الدراما والفيلم عدداً من المُشْتركات، استعرت المفاهيم السابقة من خطاب الجدل حول السرد والسارد والمؤلف للفيلم؛ استعارة في المكان المناسب، لأنها تَرِدُ في كتابةٍ عن مسلسل هو بذاته مستعار من مسلسل تركي، وقد تطلبت استعارتها تغييرها لتلائم السياق باستبدال فيلم بدراما. وسواء استخدمت المخرج الضمني أو صانع الدراما الضمني أو الافتراضي فالمقصود واحد. فكلها أسماء مقترحة في الأصل لنفي فكرة المؤلف الواحد للفيلم (المخرج/المخرج المؤلف)، وبالمثل للدراما. يشرح لاري براون أن صانع الفيلم الافتراضي عند جان ألبر، والمخرج الضمني عند ماركوس كُنْ، وصانع الفيلم الضمني عند بيريز غوت، مفاهيم تتجنب مشكلة المخرج المؤلف الذي يُنْسَبُ إليه الفيلم، مع تجاهل إسهامات المنتجين وكُتّاب السيناريو والمصممين والمحررين والممثلين (كيف تروي الأفلام قصصها.. علم السرد السينمائي، 136-7). تشير المفاهيم الثلاثة إلى "الذات" الجماعية المؤلفة ممن يسهمون في صنع الفيلم، وينطبق ذلك على الدراما التلفزيونية.
دينامية أمل وستاتيكية شوق
لا تختلف الشخصيات في "خريف القلب" عن نظائرها الدرامية، بانقسامها إلى دينامية وستاتيكية. لا يعني هذا التقسيم المفاضلة بين النوعين من ناحية الأهمية في العمل، إنما لوصف طبيعة كل شخصية. فالشخصية الدينامية تتغير داخلياً أو خارجياً خلال المسلسل/الرواية،
أما الستاتيكية فعكس ذلك. فأمل، مثلاً، شخصية دينامية، تختلف في الوسط عن أمل البداية، وفي النهاية تختلف عن أمل التي نشاهدها في الوسط. بينما شوق لا تتغير، وتبقى الفتاة الرقيقة، الخلوقة، المتفوقة في دراساتها وفي رياضة ركوب الخيل، من البداية إلى النهاية. وكل منهما الشخصية النقيض (foil character) للأخرى. وناهد (الفنانة القديرة مروة محمد) شخصية ستاتيكية تلعب دوراً مهماً في المسلسل، بينما حمود (فيصل الدوخي) شخصية دينامية سيئة وتلعب دوراً مهماً أيضاً.
راشد ونهلة
في رأيي أن راشد ونهلة شخصيتان تميلان إلى الستاتيكية،.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة عكاظ