يعمل مصنعو الذخائر على تأمين إمدادات المواد الكيميائية وقطن البنادق أو «النيتروسليلوز» في الوقت الذي يستعدون فيه لزيادة الإنفاق الدفاعي الذي يتضمن طلباً هائلاً على المتفجرات والوقود الدافع.
ووفق تقرير لوكالة «بلومبرغ» فإن الحكومات الأوروبية منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية نبشت في مخزونها من الذخائر لتسليح أوكرانيا، ما كشف عن مدى ضحالة احتياطاتها.
ومنذ ذلك الحين، وهي تحاول زيادة إنتاج قذائف المدفعية والصواريخ والرصاص، وقد أدى ذلك إلى استنزاف إمدادات القارة من البارود ومادة «تي إن تي» (TNT) وغيرها من المتفجرات والوقود إلى أقصى حد.
وبينما تستعد أوروبا لزيادة هائلة في الإنفاق الدفاعي، يتسابق العدد القليل من منتجي هذه المواد المتفجرة لزيادة طاقتهم الإنتاجية.
شركة «نيتروكيميا أشاو» هي شركة تابعة لشركة الدفاع الألمانية العملاقة «راينميتال»، منذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في عام 2022، زاد المصنع من طاقته الإنتاجية بنسبة 60% ويقوم ببناء منشآت جديدة لإضافة أكثر من 40% أخرى بحلول منتصف عام 2025.
وقد وظفت حوالي 300 شخص، إذ اختارت عمالاً من قطاع السيارات والكيماويات المتعثر لتعزيز قوتها العاملة، حتى تتمكن من الحفاظ على استمرار الإنتاج على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، والمساعدة على تلبية الطلب المتزايد على الذخيرة في أوروبا.
وتهدف شركة «راينميتال» وحدها إلى زيادة إنتاجها من المسحوق بأكثر من 50% بحلول عام 2028، ولكن حتى هذا لن يكون كافياً.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة أرمين بابيرجر، إن الشركة قد تضطر إلى مضاعفة إنتاجها تقريباً إلى أكثر من 20,000 طن متري لتلبية الحاجة، وفق ما نقلت «بلومبرغ».
سلاسل الإمداد
تعد سلسلة الإمداد التي يعتمد عليها مصنعو المتفجرات متشابكة وعالمية ومليئة بالعقبات.
وبحسب الخبراء، فإن الأسواق والتمويل طويل الأجل سيكونان أمراً حاسماً إذا ما أُريد حل مشكلات سلسلة التوريد.
سفين شرودر، وهو جندي سابق والرئيس التنفيذي لشركة (Essing Sprengtechnik)، التي أنتجت المتفجرات، ونقلتها وخزنتها لعملاء عسكريين ومدنيين لأكثر من 30 عاماً، قال إن الخدمات اللوجستية وراء نقل الشحنات المتطايرة معقدة ومنظمة للغاية.
وأوضح أن اللوائح التنظيمية في هذا القطاع تضمن سلامة العمال وعامة الناس، ولكن الحواجز التنظيمية يمكن أن تكون أيضاً عائقاً كبيراً.
شرودر أضاف أن الشاحنات قد تظل عالقة على الحدود الأوكرانية لأسابيع، وقد يستغرق الحصول على الموافقات على مواقع التخزين سنوات.
تحتاج الحكومات والمصنعون إلى تحفيز الصناعات الكيماوية المدنية للتحول إلى الإنتاج العسكري، وتبسيط اللوائح للسماح ببناء مصانع جديدة وتحريك الشحنات الخطرة في جميع أنحاء القارة - وحتى تأمين إمدادات المواد الأساسية التي تُشْحَن حالياً من الصين.
أسواق متقلبة
قبل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كان أعضاء الاتحاد الأوروبي قد حددوا هدفاً لتصنيع مليوني قذيفة مدفعية في عام 2025، مقارنةً بـ 1.4 مليون قذيفة في العام الماضي.
وفي ربيع عام 2023، أنشأت المفوضية الأوروبية برنامج «قانون دعم إنتاج الذخيرة» أو (ASAP)، الذي يخصص 500 مليون يورو (526 مليون دولار) للمساعدة على توسيع قدرة الاتحاد على تصنيع الذخائر.
ومنذ ذلك الحين، علّقت إدارة ترامب مؤقتاً المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وزرعت الشكوك حول مستقبل الضمانات الأمنية الأميركية القائمة منذ فترة طويلة في أوروبا، وأبدت استعدادها للتفاوض مع الكرملين، على الرغم من اعتراضات الحكومة الأوكرانية والحلفاء الأوروبيين.
واقترح الاتحاد الأوروبي قروضاً بقيمة 150 مليار يورو لتعزيز الإنفاق الدفاعي كجزء من أحدث جهوده للتعويض عن تراجع الدعم الأميركي.
تزايد حاجة أوروبا للذخائر
يقول يواكيم بيتر، الرئيس المشارك لقطاع الصناعات الدفاعية العالمية في مجموعة برونزويك الاستشارية: «حتى الآن، لم يتم القيام إلا بالقليل جداً في مجال توفير الذخيرة، وهذا الأمر بدأ الآن يؤثر سلباً مع استمرار تدهور الوضع».
تحتاج التفجيرات إلى عنصرين متطايرين: الوقود الدافع، الذي يُستخدم لإطلاق المقذوفات. والمتفجرات، التي تنفجر. ولا تنتج أوروبا ما يكفي من أي منهما لتلبية الطلب.
ويعد المكون الأكثر أهمية في المواد الدافعة للقذائف الحديثة هو النيتروسليلوز، أو قطن البندقية. وكما يوحي اسمه، فهو مصنوع من القطن عالي الجودة، والذي يتم نقعه بعد ذلك في مزيج من الأحماض.
تتطلب طلقة واحدة فقط من ذخيرة المدفعية ما يصل إلى 12 كجم (26 رطلاً) من البارود.
ولا يوجد في أوروبا سوى عدد قليل من الشركات المصنعة للوقود الدافع، بما في ذلك شركة راينميتال والمقاول الفرنسي يورينكو.
وتريد أوروبا في إطار خطة العمل الخاصة بالوقود الدفعي زيادة إنتاج الوقود الدفعي بأكثر من 50%، أو 10,000 طن متري سنوياً - أي ما يعادل حوالي ست منشآت جديدة بحجم منشأة «نيتروكيميا أشاو».
وسيوفر برنامج الصناعة الدفاعية الأوروبية 1.5 مليار يورو أخرى من تمويل الاتحاد الأوروبي للجهات الفاعلة في الصناعة من 2025 إلى 2027، لكن لائحة المفوضية لم تُقَرّ بعد من قبل البرلمان الأوروبي.
تكاليف مرتفعة
تكلفة تحويل الإنتاج من الاستخدام المدني إلى الاستخدام العسكري مرتفعة. فعلى سبيل المثال، تستخدم صناعات البلاستيك والطلاء، على سبيل المثال، شكلاً من أشكال النيتروسليلوز الذي يحتوي على نسبة نيتروجين أقل من النيتروجين المستخدم في الصناعات العسكرية.
لكن الانتقال من أحدهما إلى الآخر سيكون معقداً للغاية من الناحيتين التقنية والقانونية، بحسب الخبراء.
كما أن الحكومات بحاجة أيضاً إلى إيجاد طرق لتخفيف العبء التنظيمي على الصناعة، وفق تقرير «بلومبرغ».
سفين شرودر، اعتبر أن تلك التحديات ثانوية بالنسبة لنقص المواد الخام، وقال إن أيدي شركات الدفاع مقيدة عندما تنقص المواد الخام، مشيراً إلى أن هذا الأمر قد تم تجاهله لسنوات.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس