منذ اندلاعها في عام 2011، لا تزال ترددات الزلزال السوري تحدث في مختلف الحقول المعرفية، وفي طليعتها الأدب، فصدرت أعمال كثيرة في مختلف الأنواع الأدبية، ترصد تردداته، وتقتفي آثاره المدمرة على المجتمع والأفراد. ولعل كتاب "لم يعد معنا/ سيرة مغيب" للفرنسية غارانس لوكان والسوري مازن الحمادة، الصادرة ترجمته العربية عن دار الجد يدفي بيروت، هو أحد أواخر تلك الترددات. ولوكان صحافية فرنسية قامت بتغطية الاحتجاجات والانتفاضات التي اندلعت تحت مسمى "الربيع العربي"، في العقد الأول من القرن الـ21. وسبق لها أن أصدرت في باريس، في عام 2015، كتاباً بعنوان "عملية قيصر في قلب آلة الموت السورية"، تروي فيه قصة المصور العسكري السوري قيصر الذي التقط آلاف الصور الفوتوغرافية التي تفضح جرائم النظام السابق.
سيرة مغيب
الكتاب بالترجمة العربية (دار الجديد)
"لم يعد معنا... "هو الكتاب الثاني لها، في هذا السياق، وفيه توثق قصة المغيب السوري مازن الحمادة. وهو فني سابق في شركة نفط فرنسية في شمال شرقي سوريا، يتحدر من أسرة كبيرة في دير الزور تعمل في الزراعة وتربية الماشية، انتظم في الثورة السلمية، واعتقل أربع مرات، كانت أطولها لمدة 18 شهراً، بين مارس (آذار) 2012 ويونيو (حزيران) 2013. وقد عرف خلالها صنوفاً من التعذيب، تركت آثارها المدمرة على صحته الجسدية والنفسية، حتى إذا ما أطلق سراحه عام 2014، تمكن من الفرار عبر البحر ليحط الرحال في هولندا. وانطلق منها في جولة على بعض المدن الأوروبية والأميركية، يدلي فيها بشهادات يعري فيها النظام السابق، ويتوخى التأثير في صناع القرار حول العالم. غير أن خيبة أمله في العدالة الدولية، وإمعان النظام في ممارساته الإجرامية، يفاقمان أزمته النفسية الناجمة عن الاعتقال والتعذيب، فيقرر العودة إلى دمشق ليتم اعتقاله مجدداً، فور وصوله في 22 فبراير (شباط) 2020، فتنقطع أخباره حتى العثور على جثته في "مستشفى حرستا الوطني"، وعليها آثار تعذيب بالغة، قبل أسبوع واحد من سقوط النظام.
جلسات اعتراف
الكتاب هو حصيلة العلاقة بين كاتبيه، تلك التي بدأت في عام 2015 في باريس، حين قام الحمادة بالإدلاء بشهادته حول كتاب لوكان الأول عن آلة الموت السورية، وتطورت إلى إقناعه بتسجيل تجربته في سجون النظام لإصدارها في كتاب، على غرار ما فعلت مع قيصر، فقامت في عامي 2017 و2018، بالتعاون مع صديقتها عائشة أرناؤوط، بالاستماع إلى مازن، في شقة الأخيرة الباريسية، وفي شقته في قرية هيلغوم الهولندية، وفي مزرعة قديمة في ريف النورماندي. غير أنها حين تعلم بتردي حالته النفسية ورفضه الخضوع للعلاج تجمد مشروع الكتاب، وتحتفظ به ثلاثة أعوام، حتى إذا ما علمت من أخيه أنه لم يعد موجوداً، تفرج عن الكتاب الذي "هو صفحات مازن" وصوته وكلماته وضحكاته وهمساته. وعليه تتشكل مادة الكتاب من سيرة الحمادة، بما فيها من معيشات وذكريات ومشاهدات وانطباعات وتجارب مريرة في سجون النظام من جهة، ومن تعقيبات لوكان، بما فيها من تعليقات ومقارنات ومقتبسات، من جهة ثانية.
تشييع مازن الحمادة بعد سقوط النظام الأسدي (أ ف ب)
في السيرة، يبوح الحمادة بما عاشه شخصياً، وما عانته أسرته، وما شهد عليه أو تناهى إليه، خلال سنتين اثنتين، للوكان التي قامت بتوزيع المادة المبوح بها على 30 فصلاً، ذيلتها أو قطعتها بتعقيباتها المختلفة، مما جعل الشراكة تتمظهر ضمن الفصل الواحد في تعالق جدلي بين البوح والتعقيب، وتمخض عن سيرة خاصة بصاحبها، لكنها في الوقت نفسه سيرة الشعب السوري، في نصف القرن الأخير الذي عانى ما لم يعانه شعب آخر، في ظل نظام استبدادي يحصي عليه أنفاسه، ويراقب حركاته وسكناته، حتى غدا مجرد التفكير في الحرية جريمة لا تغتفر، تودي بصاحبه إلى الهلاك.
ما عاشه الحمادة يتوزع على: اعتقاله أربع مرات، تعرضه للضرب على رأسه، حشره في زنزانة ضيقة مع عشرات المعتقلين، تقييد اليدين، رش الماء عليه، تشوش العقل، خلع الملابس، الاستيلاء على المقتنيات، التركيع في بورة مع آخرين منكسي الرؤوس، الضرب بأعقاب البنادق، التعليق، المرض، التجويع، الاعتراف تحت التعذيب بجرائم لم يرتكبها، الاحتجاز ثلاثة أيام في.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

