تحقيق: جيهان شعيب يدخل المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024، بشأن قانون الأحوال الشخصية الجديد، الذي أصدرته دولة الإمارات، حيز التنفيذ، اليوم الثلاثاء، إذ يسهم في تقوية الروابط الأسرية، وتقليل النزاعات، وتحقيق مزيد من الاستقرار الأسري، ما ينعكس إيجاباً على المجتمع، ويوفر إطاراً قانونياً شاملاً ومتكاملاً لتنظيم مسائل الأحوال الشخصية، لدعم التماسك المجتمعي والاستقرار الأسري وحماية الأسرة، بما يعزز دورها في المجتمع ومشاركتها الفاعلة في التنمية.
ويعد المرسوم رؤية مستقبلية تعكس تطلعات الدولة نحو مجتمع أفضل، قائم على أسس من الاستقرار الأسري والتماسك المجتمعي، وحجر الزاوية في تنظيم العلاقات الأسرية، إذ يعكس القيم والمبادئ التي تحكم هذه العلاقات، كما يهدف إلى مواكبة المستجدات التي تشهدها الدولة.
في التحقيق الآتي نوضح موقف قانون الأحوال الشخصية من الحقوق الزوجية المترتبة للطرفين في حال الطلاق، وكيفية احتسابها، وهل جانب المرأة يعلو عن الرجل في النفقة وغيرها، لأن بعض العلاقات الزوجية إذا انفصمت عرى الفضل والمودة والرحمة بين الطرفين، واختارا الطلاق حلاً لاستحالة العشرة بينهما، تعمل عدد من الزوجات على الانتقام من شركائهنّ، والكيل لهم بمكيالين، بالمغالاة في الطلبات، والنفقات المترتبة على طلاقهنّ.
وأصبح بعض الرجال، كذلك، يوجهون أصابع الاتهام للمرأة بأنها تبحث عن الطلاق مع أول خلاف يقع، لأنه سيمكّنها من الثراء بالنفقة التي ستحصل عليها.
على الرغم من أن معدل الطلاق في الإمارات لعام 2024 بلغ 0.7 حالة لكل 1000 شخص، ما يضع الدولة في المرتبة التاسعة عربياً من حيث معدلات الطلاق، وهناك انخفاض بنسبة 14.6% في عدد حالات الطلاق المسجلة عبر نظام الزواج الإلكتروني في المحاكم الاتحادية الابتدائية بأربع إمارات الشارقة، عجمان، وأم القيوين، والفجيرة، مقارنة بعام 2023، يرى كثير من الرجال أن بعض الزوجات يستخدمن قوانين النفقة وسيلة ضغط أو انتقام.
ويرى آخرون، أن بعض حالات الطلاق لا تراعي دخل الزوج الحقيقي، حيث تكون النفقة وفق تقدير عام للواقع المعيشي، ليتكرر قولهم إن القانون يحابي المرأة ويساندها، ويأخذ جانبها، وغير ذلك. تصورات غير دقيقة الصورة
بدأ المستشار القانوني د. يوسف الشريف، حديثه بالقول: كثيراً ما يُثار في النقاشات العامة تساؤل: هل جاء قانون الأحوال الشخصية لينتصر للمرأة على حساب الرجل؟ أو هل تسبب في زيادة حالات الطلاق لأنه منح المرأة حقوقاً أكثر؟ والحقيقة أن هذه التساؤلات، وإن بدت شائعة، إلا أنها تُخفي خلفها تصورات غير دقيقة عن واقع القانون، وآليات تطبيقه.
ومن أبرز الاتهامات التي تُوجّه للقانون أنه «يغني الزوجة بعد طلاقها»، وهو زعم بعيد عن الدقة، فالنفقة بعد الطلاق سواء للزوجة أو الأولاد تخضع لمعايير صارمة، تبدأ من وقوف المحكمة على دخل الزوج الحقيقي، وليس تقديراً عشوائياً، أو استجابة لعاطفة، وبذلك فالنفقة ليست وسيلة للإغناء، بل لضمان الكفاية.
والمحاكم، كذلك، لا سيما في بعض الإمارات كدبي وأبوظبي، تعتمد على جداول استرشاديه تنظّم تقدير النفقة، بحسب عدد الأولاد ودخل الزوج، ولا يُقضى فيها إلا بقدر الاحتياجات الأساسية من مطعم، وملبس ومسكن، وتطبيب، أما الرفاه، أو الترف، أو الإثراء، فليست من عناصر النفقة مطلقاً.
التوازن وليس الانحياز
وأضاف د. الشريف: ومن بعض الأمثلة القضائية التي تُظهر التوازن أنه في إحدى القضايا، طالبت امرأة بنفقة 20 ألف درهم شهرياً، لكن المحكمة قضت لها ب 4,500 فقط، بعد التحقق من دخل الزوج المحدود، ما يؤكد أن القضاء لا يحكم بالعاطفة، بل بالوثائق، والدلائل.
وفي أخرى، نُقلت حضانة الأولاد إلى الأب بعد ثبوت إهمال الأم، على الرغم من أن الأصل في الحضانة لها، ما يُظهر أن المصلحة الفضلى للأولاد هي المرجع، لا افتراض الأفضلية لأحد الطرفين. وفي قضية ثالثة، طالبت مطلقة بمسكن، فرفضت المحكمة طلبها، بعد أن ثبت امتلاكها لمسكن مستقل، ما يؤكد أن الحقوق لا تُمنح إلا لمن يستحقها.
ومن جانب ثانٍ، فالقانون يردع التعسف، من دون أن يُضعف حق الرجل، حيث لا يُقيّد حق الزوج في الطلاق، لكنه يُلزمه بتحمل ما يترتب عليه من تبعات مالية، وأخلاقية إذا ثبت تعسفه، وفي الوقت ذاته، يتيح له حق الاعتراض، وطلب خفض النفقة، أو إثبات حسن نيّته، والعدالة هنا تكمن في التوازن، لا في الانحياز.
وكأي منظومة قانونية، يمكن أن يحاول أحد الطرفين استغلال النصوص امرأة تدّعي الضرر من دون دليل، أو رجل يُخفي دخله لتقليل النفقة لكن المحاكم لا تأخذ بادعاءات غير مدعّمة، بل كثيراً ما تطلب تقارير مالية، أو إفصاحات بنكية، أو تستند إلى شهادات محايدة، لتصل إلى الحقيقة، حيث استغلال النصوص ممكن، لكن القضاء يصفّي.
إيجابيات عدة
وأوضح د. الشريف بعض إيجابيات القانون قائلاً: القانون عزز حماية المرأة قانونياً، خاصة في القضايا المتعلقة بالنفقة والحضانة، والخلع، كما حافظ على كرامتها، من دون أن يفرّط في حقوق الرجل، وأوجد توازناً في العلاقة الزوجية، شجّع الطرفين على تحمل مسؤولياتهما بوعي أكبر، فيما في بعض الحالات، قد تُستغل بعض النصوص لتحقيق أهداف شخصية، بعيداً من روح القانون، ولا تزال الحاجة قائمة على توعية الطرفين بحقوقهما وواجباتهما، لتجنب النزاعات الناتجة عن الجهل القانوني.
وعلى الرغم من تطور النصوص القانونية، فإن التفاوت في الاجتهادات قد يؤدي أحياناً إلى تباين في الأحكام، وهو أمر طبيعي في الأنظمة القضائية التي تتيح مساحة من التقدير الشخصي ضمن إطار القانون، ومن هنا فقانون الأحوال الشخصية، لا يظلم أحداً، بل يواكب الواقع، ويحاول أن يضبط العلاقات الأسرية في ظل تغير المفاهيم والأدوار، ومن يرى أن القانون منح المرأة أكثر مما تستحق، فربما لم يُدرك بعد أن العدالة لا تعني استبقاء الامتيازات القديمة، بل تحقيق التوازن الذي يصون كرامة الجميع.
لا يحابي ولا يقصي الصورة
ووصل د. الشريف للقول: مما سبق لا يمكن وصف قانون الأحوال الشخصية في الإمارات بأنه جاء على حساب الرجل، أو أنه انحاز للمرأة على نحو مطلق، بل هو تشريع تطوّري ناضج، يسعى إلى مواكبة المتغيرات الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية التي تمر بها الدولة، مع الحفاظ على نسيج الأسرة، ومفهوم العدالة، ويسعى إلى تحقيق التوازن بين أطراف العلاقة الأسرية، من دون أن يخرج عن الأطر الشرعية، والضوابط القانونية.
والقول إنه أدى إلى زيادة حالات الطلاق بسبب إعطائه المرأة حقوقاً أكثر، اختزال غير دقيق للواقع، فالكثير من النساء، كما أوضحت، لا يلجأن إلى الطلاق إلا بعد معاناة حقيقية، وحين يُيسّر القانون لهنّ سُبل الخلاص من هذه المعاناة، فهو بذلك لا يظلم الرجل، بل يرفع الضرر، ويوازن العلاقة.
كما أن القانون لا يُحابي أحداً، ولا يُقصي أحداً، بل يُراعي المصلحة العامة، ويضمن الكرامة والعدالة للطرفين، ومن يرى أنه جاء لمصلحة المرأة من دون الرجل، فعليه أن يُعيد النظر في فهمه، لا في القانون نفسه، فالعدالة لا تُقاس بمن حصل على أكثر، بل بمن نال ما يستحق.
سلطة تقديرية
وأكد المستشار القانوني د. محمد بطي الشامسي، أنه عندما يستحيل استمرار العلاقة بين الزوجين يبقى الطلاق أكثر الحلول عقلانية، قائلاً: في دولة الإمارات وبالنظر.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الخليج الإماراتية