يجيء اختيار العالم الطبيب والأديب والمفكّر الفيلسوف والفنان الموسيقي والشاعر «ابن سينا»، شخصيّةً محوريّةً لمعرض أبوظبي الرابع والثلاثين للكتاب، احتراماً لنبوغ مبكّر، وحضور إنساني رائع، وشهرة ذائعة الصّيت، وإبداعات متعددة تؤكّد الحضور القويّ للإنسان حين يشتدّ به الطموح وتتضاءل أمامه مسافات الإنجاز وتحديات العلوم، ومن نافلة القول إنّ أيّ كاتب أو مثقّف أو طالبٍ في مدرسة أو جامعة، يعرف الاسم المألوف لابن سينا في الوجدان والذاكرة، ومدى ما أسهم به هذا العالم من إفادة وحضور في الحقول التي أشرنا إليها، ما يدلّ على أنّ الإنسان يمكن أن يطوي العالم كلّه بكفّه حين يخلص للقراءة والاطلاع والتأمّل وهضم المزيد من الكتب والمخطوطات، ويمكن أيضاً أن تنقشه الناس وعبر كلّ الأجيال في العقل والوجدان، وعلى رفوف المكتبات وفي دارات العلم والمعرفة، وليس هذا بكبير على «ابن سينا»: الحسين بن عبدالله بن الحسن بن علي، المولود عام 980 ميلاديّة، في قرية بالقرب من بخارى، وقدّر الله أن ينفع به وأن يمتد علمه إلى أوروبا والحضارات، ما يفتح الشهيّة واسعاً للتجوال في محطات هذه العبقريّة الرائدة التي عرف صاحبها باسم «الشيخ الرئيس»، المشتمل على تعدد الأجناس الأدبية والعلمية والفكرية والطبيّة وتنوّعها، فهو كنزٌ بشريٌّ، وُفّقت إدارة معرض أبوظبي في دورته الحاليّة، باختياره شخصيّةً محوريّة ومحلّ احتفاء وقراءة وتدارس ونقاش ودروس واستفادة وقدوة للأجيال.
الرواد والأجيال
إنّ الاحتفاء بشخصيّة «ابن سينا»، وهو اسمٌ موسيقيٌّ على الأسماع، وحافزٌ للاعتزاز والافتخار بجهود الأولين من ذوي المراس والعلم والفهم والثقافة والاطلاع، يحمل في طيّاته العديد من الرسائل الفكريّة والثقافيّة والإنسانيّة، خصوصاً حين تكون الرسائل هذه موجّهةً للأجيال وتستفزّ الإبداع والدأب، إذا ما قارنّا بين الأزمان، وما كان يتاح في ذلك الزمان، قياساً إلى ما يتوفّر اليوم كلّ التوفير، ويتاح كلّ الإتاحة في عصر التواصل الاجتماعيّ والسوشال ميديا والتطبيقات الإلكترونيّة والرقميّة والمدوّنات، وكلّ هذه الثورة العلميّة الكبيرة، ولكنّها مقارنة لا بدّ منها، حتى وإن كانت الأدوات والمناخ المحفّز والمراجع والتواصل العالمي أيسر بكثير عمّا كانت عليه أيّام «ابن سينا» وأجياله، الذين بذلوا ما في الوسع للوصول إلى حقيقة، بل ووضع المهاد الذي يُبنى عليه فيما بعد، والخروج بنتائج أو أفكار تؤكّد الأرضيّة التي بنت عليها الإنسانيّة في كلّ أنحاء المعمورة تطوّرات العلم والمعرفة والنظر والاستنتاج، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من تقدّم عالي الوتيرة، في طليعته الذكاء الاصطناعي الذي يكلل هذه الثورات العلمية والتكنولوجيّة المتتاليّة، والتي لا تقف عند حدّ.
في الواقع، وقبل الدخول في قراءة سيرة ابن سينا «الشيخ الرئيس»، يظلّ يملي علينا الوفاء للأقلام الأولى والأفكار البكر، في سبيل إعطاء الفكرة حقّها والنظر وقته والتأمّل صفاءه، أن نحتفي بالاشتغال الموسوعي الذي قام به عبقريّ الفكرة والبحث والصفاء النفسي والمشاعر الرقيقة، ذلك أنّه كان يجمع بين كلّ هذه المفردات في مؤلفاته ومنجزاته وكتبه وأعماله، التي جعلت منه حقّاً موسوعيّاً، كصفة اتصف بها هو ومجايلوه من الروّاد والمفكرين والأدباء والعلماء.
تلاقي الحضارات
وجميلٌ من معرض أبوظبي للكتاب في دورته الحاليّة أن يستعيد التاريخ والإبداع الماضي، ليربط بين حضارات ازدهرت وأجواء علميّة فاقت الخيال قياساً إلى الإمكانات القليلة، والتي قابلتها نفوس عظيمة حققت الكثير، فهذه الاستعادة الموضوعيّة والمبررة بإنصاف الأجيال الرائدة، حتماً لا تقف عند سرد السيرة الذهبيّة محلّ الاعتزاز لابن سينا، ولكنّها إضاءة على الجهود وربط ما بين الماضي والحاضر، وإعادة الاعتبار للمخطوطة والتعب والفكر الذي هو أساس تقدّم المجتمعات، بل إنّ الفكر والعلم حين يجتمعان اليوم في شخصيّة «الشيخ الرئيس»، سيقدمان لنا الإرهاصات الأولى للحضارات والعلوم والظروف المُلحّة في ذلك الزمان، لأن يكون الأديب فقيهاً وعالماً وفيلسوفاً وطبيباً وأديباً، كجزء من متطلبات المعرفة التكامليّة وقراءة جميع الأوجه التي لا بدّ وأنّها يؤثّر الوجه الواحد منها في الوجه الآخر، ما يعطي موضوعيّةً للحكم على الأمور، وذلك ما نتبيّنه من جمع ابن سينا للأدب والعلم، وهما حقلان مهمّان، قد يراهما كثير من الأجيال متناقضين لا يجتمعان، فيلجأ الدارس إلى التخصص دون أن يكون لديه تنافذ على الأدب أو حتى اطلاعٌ عليه، لكنّ هذا الأمر ليس دائماً، ففي عصرنا الذي نعيش وعصر جيل الروّاد كان.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية




