عصر الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط.. هل الاقتصاد على أعتاب قفزة بـ232 مليار دولار؟

مع تسارع الثورة التكنولوجية العالمية، يبدو أن منطقة الشرق الأوسط على أعتاب نقطة تحوّل اقتصادية كبرى مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، وفقاً لـ PwC في تقريرها الأخير، فإنّ التبني الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي، مع اعتماد سياسات بيئية وطاقية مستدامة، قد يضيف نحو 232 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بحلول عام 2035. هذا الرقم ليس مجرد توقع طموح، بل مؤشراً على الإمكانات الهائلة التي تفتحها التقنيات الحديثة لتحويل الاقتصادات التقليدية، وإعادة تشكيل سوق العمل، وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد على المصادر التقليدية.

الفرص الاقتصادية والقطاعات الأكثر استفادة

في السيناريو التفاؤلي لتقرير PwC، ومع تحقيق تكامل بين الذكاء الاصطناعي والإجراءات المناخية الطاقية، قد يصل إجمالي الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط إلى نحو 4.68 تريليون دولار بحلول 2035، مقابل 3.57 تريليون دولار حالياً.

التقرير يشير أيضاً إلى أن الذكاء الاصطناعي وحده إذا تم تبنيه على نطاق واسع وبشكل مسؤول يمكن أن يضيف 8.3% من المكاسب الإنتاجية على الاقتصاد الإقليمي.

وذلك بجانب خلق مجالات نمو جديدة، فالتقرير يطرح فكرة أن التغييرات لن تقتصر على تعزيز القطاعات التقليدية، بل ستمتد إلى تكوين "منظومات قطاعية" عابرة في مجالات مثل الطاقة، النقل، البناء، الرعاية، الحوسبة، الاتصالات ما يفتح الباب أمام ابتكار نماذج عمل وخدمات جديدة.

ويشدد التقرير على ميزة الطاقة المتجددة، فأحد العناصر الجوهرية التي تميز المنطقة هي توفر طاقة متجددة منخفضة التكلفة مقارنة بالمعايير العالمية، وهذا يمكن أن يوفر بيئة مثالية لتشغيل البنى التحتية الثقيلة للذكاء الاصطناعي (مثل مراكز البيانات) بكفاءة وبتكلفة أقل، ما يعزز القدرة التنافسية الإقليمية.

وأوضح أنه سيكون هناك دفع للابتكار وريادة الأعمال مع هذه الفرص، فمن المتوقع أن تنمو شركات ناشئة في مجالات التكنولوجيا، وخدمات رقمية، وطاقة نظيفة، وخدمات لوجستية ذكية، وغيرها، ما يفتح أبواب تمويل واستثمار، ويجعل الشرق الأوسط أرض جذب للمستثمرين العالميين.

التحديات والرهانات أمام التحول

رغم الإمكانات الكبيرة، تواجه المنطقة عدة عوائق قد تحد من تحقيق هذا السيناريو التفاؤلي، من بينها: نقص المهارات الرقمية والكفاءات المتخصصة: التحول إلى اقتصاد ذكي يتطلب قوى عاملة ماهرة في الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، وإدارة بيئات رقمية، وبرمجة، وأمن سيبراني... إلخ. مهارات غالباً ما ينقصها التدريب أو البنية التعليمية الملائمة.

وأيضاً الحاجة لتطوير البنية التحتية، من مراكز بيانات، شبكات اتصالات قوية، وطاقة نظيفة مستدامة، إلى بنية تحتية تنظيمية وتشريعية تستوعب التقنيات المتقدمة.

كما تحتاج المنطقة إلى التنظيمات والتشريعات، فيجب أن تواكب القوانين الحديثة التطور السريع في الذكاء الاصطناعي، كحماية البيانات، خصوصية المستخدم، أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، تشجيع الابتكار، حوافز الاستثمار.

بجانب الحاجة إلى إدارة المخاطر المناخية والبيئية، فالتقرير نفسه يشير إلى أن المخاطر المناخية مثل موجات الحر، ندرة المياه، الفيضانات، يمكن أن تقلّص من مكاسب النمو إذا لم تُدَرْ بحكمة.

وأبرز التقرير مشكلة التفاوت بين الدول داخل المنطقة، فليس كل الدول في الشرق الأوسط على مستوى الجاهزية نفسه من حيث الموارد، البنية التحتية، الدعم الحكومي، الطاقة المتجددة ما يعني أن الفوائد قد تُوزّع بشكل غير متوازن.

الأثر على سوق العمل والاستثمار

مع تحول الاقتصادات، ستظهر فرص عمل في تحليل البيانات، الذكاء الاصطناعي، البنية التحتية الرقمية، الطاقة المتجددة، خدمات ذكية، صيانة أنظمة حديثة، ما قد يخفف من البطالة ويجذب الكفاءات.

لكن بعض المهن التقليدية (روتينية، بناء، إداريات بسيطة، بعض خدمات يدوية) قد تتأثر سلباً نتيجة الأتمتة والتحول الرقمي، يستدعي هذا الأمر سياسات لإعادة التأهيل (reskilling) وبرامج تعليم مستمر.

ودعا التقرير لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، حيث يشجع الحكومات والشركات على تسريع الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة، ويتوقع أن تحظى هذه القطاعات بتمويل كبير وصفقات استحواذ ودمج، كما لوحظ في عدد من الصفقات الأخيرة في المنطقة.

وأوضح أن هناك فرص لريادة الأعمال مع تشكل «مجالات نمو» جديدة، إذ سيبرز جيل جديد من رواد الأعمال قادرين على إطلاق شركات ناشئة في خدمات ذكية، وبيئة نظيفة، وحلول طاقة، واستشارات رقمية، وبنى تحتية، وخدمات لوجستية ذكية، وغيرها.

السيناريوهات المستقبلية.. ماذا لو تحقق التحول؟

إذا التزمت الدول والشركات حسب توصيات التقرير، فإن الاقتصاد الإقليمي قد يشهد قفزة متراكمة ليصل الناتج المحلي إلى نحو 4.68 تريليون دولار بحلول 2035.

الشرق الأوسط قد يتحول إلى مركز عالمي للذكاء الاصطناعي مدعوماً بطاقة نظيفة، وبنية تحتية رقمية متطورة، وموقع استراتيجي بين أوروبا، وآسيا، وإفريقيا، ما يجعله منافساً في السباق الرقمي الدولي.

وستظهر نماذج عمل هجينة وشراكة بين القطاعات المختلفة، شركات تجمع بين الطاقة والتكنولوجيا، وخدمات ذكية، ولوجستيات متقدمة، ورعاية صحية رقمية، وغيرها، ما يعيد تشكيل أسواق العمل، الاستثمار، وسلوك المستهلك.

وهذا يفتح آفاقاً استثمارية ضخمة لمؤسسات مالية، صناديق استثمار، رؤوس أموال جريئة، صناديق سيادية تسعى لتنويع محفظاتها بعيداً عن النفط والسلع التقليدية.

الذكاء الاصطناعي لم يعد خياراً بل ضرورة لتحولات اقتصادية في الشرق الأوسط، فالتقرير الأخير لـ PwC يرسل إشارة إنذار وفرصة في آن واحد، وهي أنه إذا كانت الإمكانات الضخمة للتنمية الاقتصادية والتحول الصناعي ماثلة على الطاولة، فإنها تتطلب رؤية واضحة، واستثمارات جريئة، وتعاون بين الحكومات والقطاع الخاص، وبنية تحتية تعليمية وتقنية قوية.

وشدد على أنه إذا ما تم استثمار هذا الزخم بحكمة، فقد يخرج الشرق الأوسط من قائمة المتابعين إلى مصاف القادة في الثورة الرقمية العالمية وإلا فإن الفجوة بين الأكثر جاهزية والأقل قد تتوسع، وتبقى المنطقة رهينة النمو التقليدي.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 40 دقيقة
منذ 4 دقائق
منذ 17 دقيقة
منذ 27 دقيقة
منذ ساعتين
منذ 8 ساعات
إرم بزنس منذ 20 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 20 ساعة
قناة العربية - الأسواق منذ 46 دقيقة
قناة CNBC عربية منذ 14 ساعة
قناة CNBC عربية منذ ساعة
مجلة رواد الأعمال منذ 12 ساعة
منصة CNN الاقتصادية منذ 14 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 18 ساعة