ثمّة متغيرات جيوإستراتيجية وتاريخية تضع أوروبا أمام معضلات جمّة وتحديات غير مسبوقة، أمنية واقتصادية وعسكرية، وذلك منذ الحرب العالمية الثانية، خصوصا بعد الحرب الروسية الأوكرانية، بما يتخطى أزمة تراجع إدرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التزامات واشنطن الأمنية تجاه دول التكتل، وفق ما يؤكد مسؤولون وخبراء أوروبيون لـ"نيويورك تايمز".
تقويض أوروبافيما يشير هؤلاء إلى أن الرئيس الأميركي ترامب، يركز على التقارب مع روسيا التي تسعى إلى تقويض حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، بما يهدد أمنها. ومع تصاعد الانقسام الداخلي الأوروبي، بما في ذلك العجز في الميزانيات وانحسار الرأي العام وصعود أحزاب اليمين المتطرف، يسعى القادة الأوروبيون للحفاظ على أمن القارة ودعم كييف في وجه العدوان الروسي.
قال نوربرت روتغن، عضو البرلمان الألماني عن الحزب المحافظ والمقرب من المستشار فريدريش ميرتس: "لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة ليست إلى جانبنا في مسائل الحرب والسلام في أوروبا. لقد وقفت إلى جانب المعتدي ضد مصالح أوكرانيا التي تعرضت للغزو، وكذلك ضد الأمن الأوروبي العام، وتسعى للتوسط بين الناتو وروسيا، ما يعني أن أوروبا لم تعد تعتبر نفسها في مركز الحلف وأن الولايات المتحدة لم تعد العضو القيادي في الناتو".
ومع سعي ترامب للوصول إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب الأوكرانية بشروط روسية، فإن قضية الحرب تتخذ موقعا مركزيا في قلب النقاشات الأوروبية، بينما تعتبر أوروبا هذا الملف بمثابة حجر الزاوية لأمنها ومن ثم، تشجع كييف على القتال للحصول على شروط أفضل لاتفاق السلام.الأصول الروسية المجمدة
كما تواجه أوروبا تحديات داخلية عاجلة، من بينها تطوير الردع العسكري التقليدي ضد روسيا بحلول عام 2029، وإقناع المواطنين بقبول زيادة الإنفاق العسكري وتوسيع الجيوش، إلى جانب مواجهة صعود أحزاب اليمين المتطرف، التي تدعمها إدارة ترامب وفق استراتيجيتها الأمنية، والتي تصف الحكومات الأوروبية التقليدية بأنها تهدد بتآكل الديمقراطية والهوية الحضارية للقارة. ويضاف لذلك، أزمة تأمين نحو 200 مليار دولار للعامين المقبلين لضمان استمرار كييف في الحرب.
ويثير استخدام نحو 210 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة تحديات سياسية وأمنية، إذ تتركز معظمها في شركة بلجيكية، وتخشى الحكومة البلجيكية المخاطر والتداعيات من وراء ذلك. في حين تضغط واشنطن لمنع هذا الاتجاه المحتمل حتى لا تعيق الوساطة الأميركية مع موسكو.
وأكد روتغن: "هذه لحظة الحقيقة بالنسبة لأوروبا. ليس وقت التفاصيل القانونية، بل وقت الإرادة السياسية".الضغط الأميركي
ويعمل القادة الأوروبيون على تخفيف الضغط الأميركي على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من خلال اقتراح اجتماع يجمع الأوروبيين والأميركيين والأوكرانيين لوضع خطة سلام مشتركة تُقدَّم لروسيا.
وقال مسؤول أوروبي رفيع للصحيفة الأميركية إنه يتعيَّن "على أوروبا الاستعداد لخوض الحرب بمفردها إذا قررت الولايات المتحدة عدم دعمها". فيما أوضحت آنا ويسلاندر، مديرة شؤون شمال أوروبا في المجلس الأطلسي، أن أوكرانيا تشكل خط الدفاع الأوروبي ضد روسيا، وأن استخدام الأصول الروسية المجمدة ضروري لبقائها في المعركة وإعادة حسابات موسكو. وأضافت: "علينا قبول مخاطر أكبر الآن أو دفع ثمن أعلى لاحقا".
في حين أعلنت إدارة ترامب سحب 3,000 جندي أميركي من رومانيا، لا يزال نحو 79,000 جندي أميركي في أوروبا، وهو عدد يفوق الجيش البريطاني بالكامل. ومع ذلك، لا تستطيع أوروبا تعويض القدرات العسكرية الأميركية الاستراتيجية مثل الأقمار الصناعية، الدفاع الجوي، الصواريخ بعيدة المدى وأنظمة القيادة والسيطرة قبل عام 2029، الموعد الذي حددته القوات الأوروبية كحد أقصى لردع روسيا المحاربة في أوكرانيا.(ترجمات)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
