بعد أكثر من عقد على اندلاع الثورة في سوريا والتي سرعان ما تحولت إلى حرب أهلية بفعل المستوى الوحشي غير المسبوق للنظام السابق لبشار الأسد من العنف، يجد السوريون أنفسهم أمام مرحلة جديدة من البحث عن العدالة، مع سقوط الأسد. بالتالي، يبرز هنا أحد الأسماء المرتبطة بهندسة القمع، وهو اللواء جميل الحسن الرئيس السابق للمخابرات الجوية.سنوات الحربطوال سنوات الحرب، لعب الحسن دورا مركزيا في إدارة وتعميم سياسات "العقاب الجماعية" التي اتبعها النظام لمواجهة الاحتجاجات الشعبية ضده منذ 2011. ويوثق سوريون هذا الدور الذي لطالما بعث في ذاكرتهم الرعب والخوف، وفق "وول ستريت جورنال". ويقول شادي هارون، أحد المنخرطين في الثورة في بواكيرها، إنه التقى بالحسن عام 2011 في مقر المخابرات الجوية بمطار المزة، حيث قال له خلال تحقيق امتد 4 ساعات: "سأستمر في القتل للحفاظ على بشار الأسد… ولو اضطررت لقتل نصف السوريين".
هذا التهديد لم يكون أمرا طارئا أو عرضيا. فقد اتُهم الحسن بالإشراف المباشر على قصف الأحياء المدنية، وقيادة واحدة من أكبر حملات الاعتقال والتعذيب في البلاد، بالإضافة إلى دوره في الهجمات الكيماوية المروعة. فيما تشير وثائق وشهادات جمعتها "لجنة العدالة والمساءلة الدولية" إلى أن الحسن كان يعتبر المتظاهرين منذ الأيام الأولى "إرهابيين يجب القضاء عليهم"، ويدفع باتجاه استخدام القوة الخشنة من دون قيود.
وفي مقابلة عام 2016 مع وكالة أنباء روسية، عرج الحسن على قمع الصين الدموي للاحتجاجات الطلابية في ساحة تيان آن من في بكين نهاية ثمانينات القرن الماضي، مؤكدا أن سوريا كانت تحتاج "حسما مشابها" منذ البداية. ويرى هارون، الذي نجا لاحقا من سجن صيدنايا، أنه كان يواجه "شخصية مرضية ومزاجية تجسّد عقلية الحرب بلا حدود".جرائم ضد الإنسانية
ومع سقوط النظام في ديسمبر الماضي، بات جميل الحسن أحد أكثر المطلوبين عالميا بتهم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. فقد صدر بحقه حكم غيابي في فرنسا، ويواجه مذكرة توقيف ألمانية، كما تطارده الـFBI لدوره في اختطاف وتعذيب مواطنين أميركيين.
وبينما فرّ الأسد وزوجته إلى روسيا، تتضارب التقديرات حول مكان وجود الحسن، ويرجّح عدد من المسؤولين السوريين والغربيين أنه متخفٍ في لبنان، حيث يحاول فلول النظام إعادة الاصطفاف وبناء شبكاتهم الأمنية. وقد طلبت كل من فرنسا وسوريا من السلطات اللبنانية توقيفه، رغم أن بيروت تقول إنها لا تملك معلومات مؤكدة بشأن مكانه.
من جهته، يقول رئيس "اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية" عبدالباسط عبداللطيف: "كل سوري سيكون سعيدا برؤيته خلف القضبان… هذا الرجل مسؤول مباشرة عن دماء لا تُحصى".جميل الحسن.. "الهولوكست" السوري
أما معاذ مصطفى مدير "قوة الطوارئ السورية" في واشنطن، فيشبهه بالضابط الألماني النازي المسؤول عن "الهولوكست" "أدولف أيخمان".
وُلد الحسن عام 1953 في ريف حمص، وترقى في مؤسسات الأمن تحت حكم حافظ الأسد. وكان أحد المشاركين في سحق انتفاضة "الإخوان" في حماة عام 1982.
بعد اندلاع الثورة، لعب الحسن دورا محوريا في إعداد خطط القمع المبكر، بما في ذلك نشر القناصة وإصدار أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين. بحسب وثيقة صادرة عن اللجنة الأمنية العليا، حصلت عليها "وول ستريت جورنال"، تُظهر موافقته على إجراءات تضمنت استخدام القوة الحيوية ضد احتجاجات سلمية، ما أدى إلى تسريع انزلاق البلاد نحو الحرب.
وكانت داريا إحدى أكثر المناطق التي شهدت بطش المخابرات الجوية، حيث ارتبطت المنطقة بحملات حصار واقتحامات واعتقالات واسعة انتهت باختفاء مئات السكان. وتقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن أكثر من 160 ألف شخص في أنحاء البلاد اختفوا قسرا خلال مختلف مراحل النزاع.
وتكشف شهادات معتقلين سابقين بينهم نساء أن الحسن أعطى توجيهات تفصيلية حول أساليب التعذيب. دينا قاش، التي اعتُقلت في 2013، تقول: "كان يصف نوع الضرب والتعليق، وكيفية تعذيب النساء… لم يكن مجرد قائد، بل العقل المدبر".
ويضيف يزن عوض، الذي ظهرت صور رفاقه ضمن ملف "قيصر"، أنه نجا من الموت بفضل رشوة قُدمت لأحد الضباط.
وبحسب "مركز العدالة والمساءلة السوري"، امتلكت المخابرات الجوية محكمة ميدانية خاصة ومقبرة جماعية داخل أسوار مطار المزة، حيث دُفن كثير من المعتقلين بعد تصفيتهم.
وفي الولايات المتحدة، تتهم وزارة العدل الحسن بالإشراف على حملة تعذيب ممنهجة تشمل نزع الأظافر والأسنان والجلد، فضلا عن الصعق بالكهرباء، والحرق بالحمض.
أما في أوروبا، فقد أدانته محكمة باريس غيابيا العام الماضي، وفي ألمانيا ساهمت شكوى جنائية رفعها محامون سوريون في إصدار مذكرة توقيف دولية بحقه عام 2018. ويقول المحامي الألماني باتريك كروكر: "جميل الحسن أحد مهندسي نظام التعذيب… ومسؤوليته بمستوى قيادة استراتيجية، وليست مجرد مشاركة تنفيذية".(ترجمات)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
