تحوّلت شاشات الأجهزة إلى مساحة تختلط فيها السياسة بالترفيه، والإنسانية بالتقنية، في عالم تُقاس فيه سلوكيات الجمهور بالثواني وعدد المشاهدات، لكنّ ما يحدث فعلاً أعمق من ذلك، فبين تدفّق هائل للبيانات، وصعود لافت للبث المباشر، ونجاح غير متوقّع للمحتوى الطويل، بدأت تتشكّل ملامح جديدة لصناعة الإعلام.

هذا التغيير كان محور مجموعة من المقابلات التي أجرتها CNN الاقتصادية خلال قمة BRIDGE في أبوظبي، حيث تناوَل قادة سياسيون وصنّاع محتوى وشخصيات بارزة علاقة الجمهور بالمحتوى، ودور الإعلام في عالم تتفاوت فيه الاحتياجات بين الترفيه، المعرفة، والمسؤولية الإنسانية.

تدفّق البيانات، تحدٍّ يتجاوز الإعلام التقليدي

طرح الرئيس السنغالي السابق ماكي سال زاوية سياسية وتقنية حول انفجار كمية البيانات اليوم، وأشار إلى أن المنصّات الرقمية تنتج مليارات المعلومات كل ثانية، ما يجعل التنظيم ضرورة لا خياراً، واعتبر أن قمة بريدج تمثّل مساحة لتقريب وجهات النظر بين الحكومات، وصنّاع المحتوى، والجهات الموزّعة له.

وقال إن التحدي الأبرز يكمن في إيجاد حدّ أدنى من الشفافية والأخلاقيات، في ظلّ قضايا متشابكة مثل السيادة الرقمية والثقافية، وشدّد على أن مستقبل الإعلام يتطلب قواعد مشتركة بين الأطراف كافة، وليس منافسة بين المنصّات.

لماذا يعود الشباب، وغير الشباب، إلى البث الحي؟

شهد البث المباشر نمواً لافتاً خلال العام الأخير، وهي ظاهرة يراها خبراء المحتوى جزءاً من تحوّل أكبر في علاقة الجمهور مع الشاشة.

رائد الأعمال والمحتوى الأميركي غاري في (Gary Vee)، أحد أبرز الأسماء عالمياً بعد أن تجاوز عدد متابعيه 50 مليوناً، قدّم مقاربة واضحة لهذا التحول.

ويرى أن البث الحي أصبح أكبر تغيير في سوق المحتوى، ليس فقط لدى الشباب، بل أيضاً لدى فئات عمرية أكبر، ويعتبر أن سرّ هذه الظاهرة يعود إلى رغبة الناس في الأصالة، مضيفاً أن البث المباشر لا يسمح بالاختباء، وهو ما يجعل المتلقي أكثر ارتباطاً بالشخص أو الفكرة التي يشاهدها.

كما يؤكد أن طول المحتوى لم يعد معياراً، بل جودته، فالمتلقي قد يتخطّى فيديو قصيراً في ثانية واحدة، بينما يشاهد ساعات متواصلة إذا وجد ما يستحق الاهتمام.

البودكاست الطويل، ولماذا ينجح رغم عالم السرعة؟

قدّم صانع المحتوى الإماراتي أنس بوخش، مؤسس برنامج ABtalks الذي أصبح من أبرز البودكاستات العربية، قراءة محلية أكثر قرباً من سلوك الجمهور في المنطقة.

يشير بوخش إلى أن الجمهور لم يفقد القدرة على التركيز، بل أصبح أكثر انتقائية، قائلاً إن الناس لا تبحث عن مقاطع قصيرة بقدر ما تبحث عن قصة حقيقية وحوار صادق، ويعتبر أن نجاح أي بودكاست يعتمد على نوايا صاحبه واستمراره، وليس فقط على الأدوات المتاحة.

ويرى أن سهولة صناعة المحتوى اليوم فتحت المجال لعدد هائل من المبدعين، لكنها كشفت أيضاً من يملك قدرة على الاستمرار ومن يتوقف فور انتهاء الفورة الأولى.

دور الإعلام خارج الاستوديو، البعد الإنساني

امتد النقاش ليشمل مسؤولية الإعلام في نقل قصص البشر، وليس فقط التفاعل مع المحتوى الرقمي.

السبّاحة الأولمبية السورية يسرا مارديني، وسفيرة النوايا الحسنة لدى UNHCR، شددت على أهمية فهم الواقع قبل روايته، مشيرة إلى تجربتها خلال زياراتها الإنسانية.

وتؤكد مارديني أن الأولويات في أماكن الأزمات واضحة؛ التعليم، والرعاية الصحية الأساسية، وتوفير فرص جديدة للشباب، وترى أن الإعلام قادر على دعم هذه القضايا عندما يسلّط الضوء على الاحتياجات الحقيقية بدل الاكتفاء بالصور السريعة.

وعند سؤالها عما إذا كانت ترى فرصة لإعادة بناء سوريا، قالت إن الأمل موجود، مشيرة إلى الدور المتزايد للسوريين حول العالم الذين يعودون للمساهمة في جهود الدعم وإعادة الإعمار.

هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية