المغرب ينخرط في النظام الدولي الجديد بتوازنات القوة والدبلوماسية الذكية

يشهد العالم في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين تحولات عميقة وقاسية تعيد تشكيل خريطة النفوذ الدولي، وتعيد رسم خريطة العلاقات بين القوى الكبرى. تتعرض أوروبا لأزمة مُركبة تشمل الاقتصاد والسياسة والدفاع والطاقة وبنيات المجتمع، وتتناقص قدرتها على المبادرة الاستراتيجية، في حين تتقدم الولايات المتحدة والصين وروسيا نحو فرض واقع جديد يقوم على نظام متعدد الأقطاب، وربما ثلاثي الأقطاب تحديداً. بمنطق المصلحة والقوة التكنولوجية وحيازة مقوماتها المادية والعلمية، وعلى أسس جيوسياسية ودبلوماسية وامتلاك قوة التواصل والشرعية التاريخية، تسير آليات إعادة تشكيل النظام العالمي الذي لن يستغني فيه كبار الأقطاب عن حلفاء وزبائن يمنحون النظام معناه وسوق الهيمنة جدواها.

في خضم هذه الاضطرابات العالمية، تتحرك المملكة المغربية بثبات لافت وبحكمة مُتوارَثَة، وبدبلوماسية مُتجددة، وباستراتيجية سياسية بنيوية ذكية، لإعادة تشكيل موقعها بين الأمم كمركز توازن وكملتقى طرق في عالم يبحث عن صيغ جديدة للاستقرار، بواقعية محسوبة المخاطر وعريقة الطموح.

أوروبا.. تحدي الإفلات من إقصاء نادي الكبار

تتجلى أزمة أوروبا اليوم على مستويات متعددة؛ فالبنية الاقتصادية تعاني تباطؤاً واضحاً وتراجعاً في التنافسية، ورؤوس أموال ترحل وعقول تهاجر. تواجه القارة ارتفاعاً في تكاليف الطاقة واتساعاً في فجوة الابتكار بينها وبين الولايات المتحدة وروسيا والصين، نتيجة أزمة الركون لعشريات إلى وهم أبدية الحماية الأمريكية الاستراتيجية. وقد عبّر الفيلسوف الألماني “يورغن هابرماس” بدقة عن عمق هذه الأزمة بقوله: «الاتحاد الأوروبي مشروع يحتاج إلى ديمقراطية أعمق حتى يواجه أزماته البنيوية» (The Crisis of the European Union, 2012).

تترافق أزمة أوروبا الاقتصادية مع اهتزاز اجتماعي يظهر في بروز حركات احتجاجية وتزايد النزعات الشعبوية في شتى دول القارة بسبب تدهور مستوى المعيشة، والخوف من اكتساح عسكري روسي، وبالتالي زيادة الإنفاق العسكري على حساب الرفاه الذي نشأت عليه شعوب أوروبا الغربية لعقود. وقد حذَّر “باراك أوباما” -وبعده قادة أوروبيون كثر- في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2015 من انعكاسات فقدان الثقة في العولمة بقوله: «عندما يشعر الناس بأن العولمة لا تخدمهم، فإنهم يتجهون إلى الشعبوية والانعزال». ولعل هذا ما يفسر تصاعد اليمين المتطرف وتراجع الإيمان بالمشروع الأوروبي.

تتعقد الأزمة أكثر عندما ننتقل إلى المستوى السياسي؛ حيث يجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام تراجع في وزنه الاستراتيجي بعدما اعتمد طويلاً على الطاقة الروسية وعلى الحماية العسكرية والأمنية الاستراتيجية الأمريكية، كما اعتمد -دون وعي استراتيجي بتاريخه الاستعماري وبمخلفاته في وعي الأمم الناهضة- على السوق الصينية التي تتطور نحو الهيمنة بسرعة مذهلة وفي خفاء عن الجميع. ولعل مقولة: «السلطة تُنتج شبكاتها، ولكنها قد تفشل حين تتضارب آلياتها الداخلية»، هو وصف ينطبق اليوم على مؤسسات أوروبا التي تعاني من صعوبة اتخاذ القرار وسط تضارب المصالح الوطنية بين مكوناتها من الدول التي عاشت فترة زهو ورفاهية وهيمنة استفاقت منها بصدمة موجعة.

أمريكا . واقعية تجديد الهيمنة

على الضفة الأخرى من التوازنات الدولية، يتشكل ما يمكن وصفه بـ«حوار الأقطاب الكبرى»: الولايات المتحدة والصين وروسيا، التي عنونت مقالة منذ شهور حولها بـ: «ماذا لو تحالف الثلاثة الكبار؟». تواجه الولايات المتحدة، رغم قوتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، تحديات سياسية داخلية تهدد استقرار نموذجها الديمقراطي، لكنها تسعى إلى الحفاظ على موقع القيادة العالمية. ويعبّر “هنري كيسنجر” عن طبيعة هذا الدور بقوله: «مهمة رجل الدولة هي إيجاد التوازن بين الاستراتيجي والأخلاقي» (Diplomacy, 1994). وهي معادلة تحكم علاقة واشنطن ببكين التي تقوم على التنافس في التكنولوجيا والاقتصاد، وعلى التنسيق المحدود في قضايا المناخ والأمن العالمي، لكن حوار الكبار الاستراتيجي لا يزال قائماً بينهما بالضرورة.

الصين.. القوة المتكاملة

أما الصين، فقد اختارت طريق الصعود الهادئ عبر التطوير التكنولوجي السريع ومن خلال الاستثمار وسلاسل الإنتاج العالمية، وعبر تطوير قدراتها الدفاعية بشكل غير مسبوق وابتكاري. تسعى الصين إلى إعادة تشكيل النظام الدولي على أساس رفض الهيمنة الأحادية. وقد أكد “شي جين بينغ” في منتدى “بواو” سنة 2021 أن «العالم يحتاج إلى العدالة لا إلى التنمر».

توظف الصين في السياق المذكور دبلوماسية اقتصادية واسعة تمتد إلى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، معتمدة على مبادرة «الحزام والطريق» لبناء شراكات طويلة الأمد الاستراتيجي والنفس الاقتصادي والتكنولوجي والتواصلي.

روسيا.. العودة الحازمة

بعد انهيار اعتقد الغرب أنه إلى غير رجعة، أو على الأقل سيدوم لعقود طويلة، تعمل روسيا اليوم تحت قيادة حازمة وقوية الاستراتيجيات مع.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من هسبريس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من هسبريس

منذ 3 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 6 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 8 ساعات
هسبريس منذ 15 ساعة
هسبريس منذ 12 ساعة
هسبريس منذ ساعتين
هسبريس منذ 8 ساعات
موقع بالواضح منذ ساعة
هسبريس منذ 4 ساعات
2M.ma منذ 13 ساعة
موقع بالواضح منذ 5 ساعات