بدر قلاج
كان مساء البارحة بمدينة مراكش موعدًا مع الإبداع المسرحي، حيث قدمت فرقة بهجة لوناس عرضًا مميزًا بعنوان الكمانجي ، من تأليف وإخراج المبدع مولاي عبد الحق الصقلي، أحد قيدومي المسرح المراكشي منذ أواسط سبعينات القرن الماضي. عرض جسدته نخبة من الشباب الموهوبين، وجاء ليؤكد مرة أخرى حيوية التجربة المسرحية المراكشية وقدرتها على التجدد.
شكل العرض رحلة فنية في أعماق ساحة جامع الفنا، حيث تتشابك حكايات الفنانين المهمشين مع نبض الحياة الشعبية اليومية. واختار الصقلي، المعروف بأسلوبه السلس والشاعري، مقاربة جريئة لطابوهات من صميم واقع فئات تعيش على هامش المدينة، معتمدًا اللغة العامية المراكشية الأصيلة التي تخاطب الوجدان وتلامس عمق التجربة الإنسانية.
تدور الحكاية حول شخصية الكمانجي ، فنان الحلقة، وابنه مسيكة ، الراقصة التي تسكنها روح الأنثى، في سرد درامي يمزج بين الكوميديا الساخرة ولحظات من المأساة الإنسانية. واستلهم العمل خطوطه العامة من قصة الحراز في فن الملحون، مع إحالات فنية دقيقة ولمسات مولييرية خفية أغنت البناء الدرامي للنص.
تميز العرض بسينوغرافيا باهرة، من ابتكار قاسم الصقلي، ابن المخرج، حيث تحول الفضاء المسرحي إلى لوحة تشكيلية متحركة، حضرت فيها الآلات الموسيقية والنوتات كعناصر درامية تتناغم مع تطور الأحداث. كما أسهمت الأزياء في تعزيز الجمالية العامة، بانسجامها مع روح العرض وأجوائه الشعبية.
زاد التشخيص المتقن لشباب الفرقة من قوة تأثير الحكاية، إذ قدموا أداءً متكاملاً حمل الجمهور إلى عالم مشبع بالمتعة والتأمل، وجعل من العرض تجربة فنية جامعة بين الإحساس العميق والبساطة التعبيرية.
وتحية تقدير خاصة للمبدع مولاي عبد الحق الصقلي، الذي يثبت مرة أخرى ريادته في المسرح المراكشي، ولأسرة الصقلي الفنية العريقة التي تورث الإبداع من جيل إلى جيل. كما تميز العرض بحضور جماهيري لافت، حمل في طياته تكريمًا ضمنيًا لأحد رواد الركح، مولاي الغالي الصقلي، كرمز فني يستحق مزيدًا من الوفاء والاعتراف.
الكمانجي ليس مجرد عرض مسرحي، بل هو دعوة صادقة للتأمل في تناقضات الحياة، واحتفاء بالكلمة النابعة من عمق الواقع، وبفن مسرحي قادر على مد الجسور بين الواقع والخيال، وبين الألم والجمال.
هذا المحتوى مقدم من وكالة الأنباء المغربية




