فقه العمران المالكي .. بين الوقاية من الكوارث ودروس فيضانات آسفي

يظهر فقه العمران في المذهب المالكي وعيًا مبكرًا بطبيعة العلاقة بين الملكية الفردية ومتطلبات العيش المشترك داخل المجال الحضري، إذ اعتبر البناء فعلًا ذا آثار اجتماعية وبيئية تمتد إلى الجماعة بأسرها، وليس مجرد حق فردي مطلق. ومن أبرز القواعد التي أرسى المالكية من خلالها هذا التنظيم العمراني حقوق السيل والريح، وهي حقوق ارتفاقية تضمن استقرار البناء ومنع الضرر قبل وقوعه. يقوم حق السيل على الحفاظ على الوضع الطبيعي لمجاري المياه، ومنع كل تصرف يؤدي إلى تغييرها بما يترتب عليه ضرر بالغير، في حين يقوم حق الريح على ضمان انتفاع الجار بالهواء الطبيعي، ومنع البناء الذي يؤدي إلى أذى صحي أو اختناق عمراني، مع الأخذ في الاعتبار العرف وطبيعة المجال الحضري. وتؤكد هذه القواعد قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»، واحترام القديم على قدمه، بما يعكس نزعة وقائية واضحة تهدف إلى منع الكوارث العمرانية.

ويمثل القانون المغربي المعاصر امتدادًا وظيفيًا لهذه المبادئ، حيث ينص القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير على أن حق البناء مقيد باحترام السلامة العامة، وحقوق الغير، والأنظمة البيئية، خاصة ما يتعلق بالمجال المائي والملك العمومي. وتمنع هذه القوانين البناء في مجاري الأودية أو المناطق المعرضة للفيضانات، وتعتبر أي اعتداء على هذه المجاري مخالفة جسيمة، مما يعكس الجوهر نفسه لقواعد المالكية المتعلقة بحق السيل والريح.

وقد أبرزت الأحداث الأخيرة في مدينة آسفي، وما خلفته فيضانات وادي الشعبة من خسائر إنسانية ومادية، أن الخلل لم يكن، ربما، في الظاهرة الطبيعية وحدها، بل في انسداد مجرى الوادي، في انتظار ما ستكشف عنه التحقيقات التي باشرتها النيابة العامة.

وعند النظر إلى السياق الأوروبي، فقد لاحظ نابوليون بونابرت، عند دخوله مصر سنة 1798، وجود نوع من النظام الاجتماعي المستقر الذي يقوم على الفقه الإسلامي، إذ ينظم القضاء الشرعي والأعراف والعمران والمعاملات اليومية حياة المجتمع بكفاءة ملحوظة. وقد أدرك نابوليون أن هذه القواعد تحقق استقرارًا اجتماعيًا فعالًا، فاهتم بدراسة وظائف الشريعة كمصدر لضبط المجتمع. وقد أكد شيرفيس (Cherfils, 2005) وسيديو (Sédillot, 1860) أن هذا الاهتمام أثر فكريًا على رؤيته للدولة الحديثة ودور القانون في تنظيم المجتمع، دون أن يتحول إلى اقتباس.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من هسبريس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من هسبريس

منذ 56 دقيقة
منذ 4 ساعات
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ 5 ساعات
منذ ساعة
هسبريس منذ 13 ساعة
Le12.ma منذ 56 دقيقة
هسبريس منذ 18 ساعة
هسبريس منذ 20 ساعة
Le12.ma منذ ساعتين
هسبريس منذ 17 ساعة
موقع بالواضح منذ 49 دقيقة
Le12.ma منذ 15 ساعة