بين التحذير والاستثمار... رواد التقنية قلقون من مستقبل الذكاء الاصطناعي ويحذرون من مخاطر محتملة

وسط تصاعد الاهتمام العالمي بتقنيات الذكاء الاصطناعي، يبرز القلق من المخاطر المحتملة لهذه التقنية، لا سيما مع تصريحات بعض أبرز رواد القطاع، الذين يوازنون بين الاستثمار الهائل في الذكاء الاصطناعي والتحذير من تبعاته المحتملة على البشرية.

ومن بين هؤلاء، يأتي إيلون ماسك، مؤسس شركات تسلا وسبيس إكس، الذي لا يخفى عنه التهديد المحتمل من الذكاء الاصطناعي، رغم استمراره في تطوير شركته الناشئة xAI، وتقديم مليارات الدولارات لدعم نموها.

وخلال مقابلة مع قمة مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، أعرب ماسك عن مخاوفه بشكل صريح، قائلًا إن هناك احتمالًا يتراوح بين 10 و20 في المئة بأن تتطور التقنية بشكل سلبي. وأضاف: "على الأرجح سيكون الأمر رائعًا، لكن هناك احتمال ضئيل أن تسوء الأمور".

وتنبع مخاوف ماسك من توقعاته الخاصة بتسارع تطور الذكاء الاصطناعي. ففي القمة، ذكر أن تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تتحسن عشرة أضعاف خلال العام الحالي، مشيرًا إلى أن هذه القدرة قد تصل إلى درجة تمكن الذكاء الاصطناعي من أداء كل ما يستطيع البشر القيام به خلال سنة أو سنتين فقط. وواصل قوله: "كم من الوقت سيستغرق الأمر للقيام بما يمكن أن يفعله جميع البشر مجتمعين؟ ليس وقتًا طويلًا، ربما ثلاث سنوات من تلك النقطة".

,يأتي هذا التحذير في وقت تسعى فيه شركة xAI، التي أسسها ماسك، لجمع تمويل إضافي يُقدر بنحو 40 مليار دولار، وفقًا لمصادر صحيفة وول ستريت جورنال. وكانت الشركة قد جمعت بالفعل ستة مليارات دولار في وقت سابق من هذا العام، بعد أن بلغت قيمتها السوقية 24 مليار دولار، لتكون واحدة من الشركات الناشئة الأكثر قيمة في قطاع الذكاء الاصطناعي. وتعمل xAI على تطوير روبوت الدردشة Grok AI، الذي يتاح حصريًا لأعضاء X المميزين.

ولا يُعد إيلون ماسك غريبًا عن مجال الذكاء الاصطناعي. فقد ساهم في تأسيس OpenAI عام 2015، المطورة لبرنامج ChatGPT، لكنه انسحب بعد ثلاث سنوات بسبب اختلافات في الرؤية مع المؤسسين الآخرين ورغبته في بناء شركة منافسة ضمن تسلا. واليوم، تعتبر OpenAI واحدة من أغلى الشركات الخاصة في العالم، بعد أن جمعت 6.6 مليار دولار بتقييم بلغ 157 مليار دولار.

ومن بين توقعاته المستقبلية، أشار ماسك إلى أنه بحلول عام 2040، قد يتجاوز عدد الروبوتات الشبيهة بالبشر عدد البشر أنفسهم على الأرض، مع توقعه أن تمتلك كل دولة أنظمة ذكاء اصطناعي متعددة. وكشفت شركة تسلا مؤخرًا عن أحدث نسخة من روبوت أوبتيموس، رغم أنه لا يزال بحاجة لتدخل بشري لتشغيله بالكامل.

وعلى الرغم من تفاؤله الظاهر، لم يتردد ماسك في الإشارة إلى المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي. ففي مايو الماضي، رد على مقال نشره موقع بريتبارت استشهد بتحذيرات الحائز على جائزة نوبل، جيفري هينتون، بشأن تهديدات الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا مرة أخرى ضرورة أخذ هذه المخاطر على محمل الجد. وقال: "أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمثل تهديدًا وجوديًا كبيرًا، ويجب أن نوليه اهتمامًا بالغًا".

إطلاق Grok AI ونشر محادثات المستخدمين

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، نشرت شركة xAI، التابعة لماسك، مئات الآلاف من محادثات مستخدمي روبوت الدردشة Grok مع النظام، وفي كثير من الحالات دون علم المستخدمين أو إذنهم. فبمجرد أن ينقر المستخدم على زر "مشاركة"، يُنشأ رابط فريد يمكن مشاركته عبر البريد أو الرسائل، لكن دون إعلام المستخدم، يُتاح هذا الرابط لمحركات البحث مثل غوغل وبينغ وDuckDuckGo، مما يجعل المحادثات متاحة للعامة.

وتُظهر البيانات أن غوغل قد فهرست أكثر من 370 ألف محادثة بين المستخدمين وروبوت Grok. تتنوع هذه المحادثات بين مهام بسيطة مثل صياغة تغريدات أو تلخيص الأخبار، إلى محادثات تتضمن سيناريوهات متطرفة مثل هجمات إرهابية وهمية أو محاولة اختراق محافظ العملات الرقمية. كما كشفت بعض المحادثات عن معلومات شخصية حساسة مثل الأسماء وكلمات المرور، وحتى ملفات ومستندات تم تحميلها عبر Grok.

ومن بين هذه الحالات، استخدم الصحفي البريطاني أندرو كليفورد روبوت Grok لتلخيص صفحات الصحف وكتابة تغريدات لموقعه Sentinel Current، مؤكدًا أنه لم يكن يعلم أن محادثاته ستصبح متاحة على غوغل. وقد انتقل كليفورد لاحقًا لاستخدام نظام الذكاء الاصطناعي Gemini من غوغل، مشيرًا إلى شعوره بالانزعاج من هذه الفوضى في الخصوصية.

وعلى الرغم من أن بعض هذه المحادثات قد تكون لأغراض اختبارية أو تعليمية، إلا أن كثيرًا منها خالف سياسات xAI، التي تحظر استخدام روبوتاتها لتعليمات ضارة مثل تصنيع أسلحة أو مخدرات أو الترويج للانتحار. إلا أن هذه المحادثات كانت متاحة عبر محركات البحث، ما يشكل انتهاكًا واضحًا للخصوصية. وكانت xAI غير مستجيبة لطلبات التعليق التفصيلية، في حين سبق أن واجهت OpenAI جدلًا مشابهًا، حيث أُظهرت محادثات ChatGPT للمستخدمين في نتائج بحث غوغل، ما أدى إلى تعديل الشركة لسياساتها بعد احتجاجات المستخدمين.

وأدى هذا الأمر إلى استغلال بعض الانتهازيين لمحادثات Grok لتعزيز ظهور علاماتهم التجارية أو خدماتهم في نتائج البحث، بما في ذلك شركات تسويق ورواد أعمال يسعون لتحقيق مكاسب تجارية عبر توجيه محادثات معينة للظهور في الفهرس العام.

تحذيرات جيفري هينتون ومخاطر الذكاء الاصطناعي

يُعد جيفري هينتون، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، أحد أبرز الأصوات التحذيرية في مجال الذكاء الاصطناعي. واصفًا التطور الحالي للذكاء الاصطناعي بأنه سريع وغير مفهوم تمامًا، وقال هينتون: "أفضل طريقة لفهم الأمر عاطفيًا هي تخيل شبل نمر لطيف للغاية، ما لم تكن متأكدًا أنه لن يرغب في قتلك عندما يكبر، فعليك أن تقلق". وأضاف أن هناك احتمالًا يتراوح بين 10 و20 في المئة من أن يسيطر الذكاء الاصطناعي على الأمور بدلاً من البشر.

وحذر هينتون من أن الشركات الكبرى، بما فيها غوغل، تسعى للحصول على تنظيم أقل للذكاء الاصطناعي، رغم أن عدم وجود تنظيم كافٍ يزيد المخاطر الوجودية. وأكد على ضرورة تخصيص جزء كبير من القدرات الحاسوبية للبحث في سلامة الذكاء الاصطناعي، بما يعادل ثلث إجمالي القدرة الحاسوبية المتاحة، مقارنة بالجزء الضئيل المخصص حاليًا.

وفي مقابلة حديثة مع برنامج "سي بي إس مورنينغز"، استعرض هينتون التقدم السريع الذي أحرزه الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن الفترة الزمنية المتوقعة لظهور الذكاء الاصطناعي فائق الذكاء قد تقلصت من عشرين عامًا إلى ما بين أربع إلى تسع عشرة سنة، مع احتمالية قوية لظهوره خلال العقد المقبل. وأوضح أن التحسن المستمر في قدرة الذكاء الاصطناعي على الاستدلال يزيد المخاطر بشكل كبير، خصوصًا إذا تجاوزت أنظمته مستوى الذكاء البشري.

الفوائد والتحديات المزدوجة للذكاء الاصطناعي

يشير هينتون إلى الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة ومنها:

الرعاية الصحية.. تحسين دقة التشخيص الطبي عبر تحليل الصور ودمج البيانات الجينومية.

التعليم.. تقديم أنظمة تعليمية مخصصة تعزز معدل التعلم الفردي.

الحلول المناخية.. تطوير مواد وتقنيات متقدمة، مثل بطاريات أكثر كفاءة وآليات لالتقاط الكربون.

الكفاءة الصناعية.. زيادة الإنتاجية عبر قدرات تنبؤية محسنة.

ومع ذلك، يثير التطور السريع للذكاء الاصطناعي تحديات كبيرة، تشمل فقدان الوظائف الروتينية، وتزايد عدم المساواة الاقتصادية، وتطوير أسلحة ذاتية التشغيل، إضافة إلى مخاطر المعلومات المضللة. ويشير هينتون إلى أن التحدي الأكبر يكمن في مواءمة الذكاء الاصطناعي مع القيم الإنسانية، خصوصًا إذا طورت هذه الأنظمة استراتيجيات خادعة أو تجاوزت قدرات البشر بشكل كبير.

ويؤكد هينتون على الحاجة الملحة لتدخل حكومي فعال، وتعاون دولي لوضع معاهدات للحد من التطبيقات الخطرة، وزيادة مسؤولية الشركات، مع التركيز على السلامة على حساب الأرباح قصيرة الأجل. كما يقترح النظر في إجراءات اقتصادية مثل الدخل الأساسي الشامل للتخفيف من آثار فقدان الوظائف على نطاق واسع، مؤكدًا أن التحديات القادمة قد تغير جوهر هوية الإنسان وغايته في الحياة.

وفي الوقت نفسه، بدأ هينتون تعديل ترتيباته المالية الشخصية لمواجهة المخاطر الإلكترونية التي قد يفرضها الذكاء الاصطناعي على الأنظمة المصرفية، مع التأكيد على ضرورة التوعية العامة والتعاون الدولي لضمان أن تظل الأنظمة الذكية أدوات مفيدة للبشرية وليس تهديدًا لها. وخلص هينتون إلى أن العقد القادم سيكون حاسمًا في تحديد مستقبل الذكاء الاصطناعي، وما إذا كانت هذه الأنظمة ستظل تحت السيطرة البشرية أم ستتجاوزها، مؤكدًا على ضرورة الموازنة بين الإمكانات الهائلة لهذه التكنولوجيا ومخاطرها العميقة.


هذا المحتوى مقدم من العلم

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من العلم

منذ 5 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ ساعة
سي ان ان بالعربية - سياحة منذ 12 ساعة
موقع سائح منذ 9 ساعات
موقع سائح منذ 10 ساعات
موقع سائح منذ 7 ساعات
العلم منذ 5 ساعات
موقع سفاري منذ 9 ساعات
بيلبورد عربية منذ 19 دقيقة
موقع سفاري منذ 10 ساعات