لم تعد أربعة أيام فقط تفصل المغرب عن موعد قاري استثنائي، مع انطلاق بطولة كأس الأمم الإفريقية 2025، التي تحتضنها المملكة في سياق كروي مختلف تمامًا عن النسخ السابقة.
فهذه البطولة لا تُقارب هذه المرة بمنطق الحماس الجماهيري وحده، بل تخضع لقراءات تحليلية دقيقة، تتداخل فيها لغة الأرقام مع رهانات النفس والذاكرة الكروية، في نسخة توصف سلفًا بأنها من بين الأكثر تنافسية في تاريخ المسابقة.
في هذا السياق، جاءت توقعات شركة أوبتا للإحصائيات لتُشعل النقاش مبكرًا، بعدما منحت المنتخب المغربي صفة المرشح الأوفر حظًا للتتويج بنسبة بلغت 19.1%.
رقم قد يبدو للبعض متواضعًا، لكنه في منطق التحليل الإحصائي يعكس أفضلية واضحة مقارنة ببقية المنافسين، خاصة إذا ما استُحضر عامل الأرض والجمهور، الذي غالبًا ما يُترجم إلى تفوق ذهني ونفسي في البطولات القارية قصيرة النفس.
غير أن هذه الأفضلية لا تنبع فقط من الامتياز الجغرافي، بل من مسار رياضي متراكم خلال السنوات الأخيرة. فالمنتخب المغربي انتقل من خانة الباحث عن التأكيد إلى خانة المنتخب المستقر، القادر على إدارة المباريات الكبرى، بفضل تنوع الحلول التكتيكية، ووجود لاعبين معتادين على ضغط المنافسات الأوروبية، إضافة إلى جهاز تقني راكم تجربة قارية وعالمية وازنة.
لكن قراءة الأرقام بمعزل عن السياق تبقى ناقصة. فالتاريخ الإفريقي مليء بالأمثلة التي سقط فيها المرشح الأول تحت ضغط التوقعات.
استضافة البطولة، رغم مزاياها، قد تتحول في لحظة ما إلى عبء نفسي، خصوصًا حين تتعقد المباريات الأولى أو تفرض التفاصيل الصغيرة كإهدار الفرص أو أخطاء التحكيم إيقاعًا مغايرًا للسيناريو المرسوم سلفًا.
وفي الجهة المقابلة، تكشف نسب الترشيح تقاربًا لافتًا بين مصر (12.4%)، والسنغال (12.3%)، والجزائر (12%)، وهو تقارب يعكس حالة توازن نادرة داخل القارة.
فمصر تدخل بخبرة تاريخية وقدرة على اللعب تحت الضغط، بينما تراهن السنغال على الاستمرارية والقوة البدنية، في حين تظل الجزائر منتخبًا قادرًا على قلب المعطيات حين يجد انسجامه التكتيكي.
وعليه، فإن كأس إفريقيا 2025 تبدو أقل خضوعًا لمنطق التوقعات وأكثر ارتباطًا بفن إدارة التفاصيل. فالأرقام، مهما بلغت دقتها، لا تحسم الألقاب، بل ترسم فقط ملامح الطريق.
أما الحسم الحقيقي، فسيبقى رهينًا بقدرة المنتخبات على تحويل الامتيازات النظرية إلى واقع ميداني، تحت ضغط الزمن الكروي القصير وصرامة المنافسة الإفريقية.
هذا المحتوى مقدم من أشطاري 24
