في كل فترة، تطفو على السطح موجة من الادعاءات المثيرة حول الحضارة المصرية القديمة، تحمل عناوين جذابة، وتوحي بوجود «أسرار كبرى» جرى إخفاؤها عمدًا عن الناس. ومن بين هذه الادعاءات ما يُسمّى بـ«وادي الملوك الآخر»، الذي يُقدَّم للرأي العام بوصفه اكتشافًا أثريًا مذهلًا، أو جبانة ملكية كاملة لم تُكشف بعد، جرى التعتيم عليها لأسباب غامضة. وقد رُوّج لهذا الطرح في أكثر من مناسبة إعلامية، ما يستدعي وقفة علمية هادئة ومسؤولة لتوضيح الحقيقة، بعيدًا عن الانفعال، وقريبًا من المنهج والمعرفة.بوصفي متخصصًا في علم المصريات، أرى أن الدفاع عن العلم ليس ترفًا فكريًا، بل واجب أخلاقي، خاصة حين تختلط الحقائق بالأوهام، ويُقدَّم الرأي الشخصي في ثوب الاكتشاف العلمي، ويُستبدل البحث الرصين بالإثارة الإعلامية.وادي الملوك الشرقي، المعروف شعبيًا باسم «وادي الملوك»، الواقع في البر الغربي لمدينة الأقصر، ليس موقعًا غامضًا أو مجهولًا، بل يُعد من أكثر المواقع الأثرية دراسةً وتوثيقًا في العالم كله. فمنذ بدايات القرن التاسع عشر، خضع هذا الوادي لأعمال مسح دقيقة، وحفائر منتظمة، وتوثيق علمي شامل، شاركت فيه بعثات مصرية وأجنبية، واعتمد على أحدث ما وصل إليه العلم في مجالات الجيولوجيا، والطبوغرافيا، والمسح الجيوفيزيائي، والتصوير الجوي، ثم لاحقًا تقنيات الاستشعار عن بُعد والأقمار الصناعية.أي حديث عن «وادي ملوك آخر» بالمعنى الذي يُروَّج له إعلاميًا، يفترض من الناحية العلمية وجود جبانة ملكية كاملة، تضم عددًا من المقابر الملكية، ظلت مخفية تمامًا عن أعين العلماء والباحثين لأكثر من مئتي عام، وهو افتراض يتناقض جذريًا مع منطق العلم، وطبيعة البحث الأثري الحديث، وإمكاناته التقنية الهائلة.الحقيقة أن ما يُعاد تسويقه تحت هذا العنوان المثير ليس سوى خلطٍ قديمٍ جديد، ناتج عن سوء فهم أو تجاهل للخريطة الأثرية الحقيقية لجبانة طيبة. فهناك بالفعل ما يُعرف علميًا بـ«الوادي الغربي» أو «وادي القرود»، وهو موقع معروف، ومُسجَّل، ومدروس منذ زمن طويل، ويُعد جزءًا لا يتجزأ من منظومة جبانة طيبة الملكية. ويضم هذا الوادي عددًا محدودًا من المقابر، من أبرزها مقبرة الملك أمنحتب الثالث. هذا الوادي لم يكن يومًا اكتشافًا جديدًا، ولم يُنظر إليه في أي دراسة علمية بوصفه «واديًا موازيًا» أو بديلًا لوادي.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة المصري اليوم
