في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها قطاع الصناعات الدوائية عالميًا، لم يعد الابتكار العلمي وحده كافيًا لضمان استدامة الأنظمة الصحية أو تلبية التوقعات المتزايدة للمرضى. التحدي الحقيقي اليوم يتمثل في قدرة القيادات الدوائية على تحقيق التوازن بين البحث المتقدم، وإتاحة العلاجات، والمسؤولية تجاه الصحة العامة، ضمن بيئات تنظيمية واقتصادية متباينة، لا سيما في الأسواق الناشئة.
ضمن هذا السياق، جلسة حوارية خلال قمة فوربس الشرق الأوسط لقادة الرعاية الصحية ناقشت هذه القضايا بمشاركة كل من أسامة الحاج، المدير العام ورئيس قطاع الأدوية البشرية في بوهرنغر إنغلهايم الشرق الأدنى ودولة الإمارات، والدكتور محمود فرّاج، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لمجموعة باركفيل للأدوية، ويسرى بدر، المدير العام لمجموعة صحة للرعاية الصحية والشريكة المؤسسة لمنصة Grinta في مصر، وأدار الجلسة الدكتور محمد ناجي، مؤسس مجموعة MONAJI.
مسؤولية أخلاقية ومنظومة تشاركية أكد أسامة الحاج أن الابتكار في قطاع الصناعات الدوائية يتجاوز كونه شعاراً تسويقياً ليصبح مسؤولية جوهرية تجاه المرضى والمجتمع وأنظمة الرعاية الصحية. وأوضح أن النهج الذي تتبعه شركة "بوهرنغر إنغلهايم " يضع الابتكار في قلب غايتها الأساسية، حيث يُقاس نجاحه بمدى الأثر الحقيقي الملموس الذي يتركه في حياة المرضى وفي كفاءة المنظومة الصحية ككل.
وفيما يخص البحث العلمي، أشار إلى أن الابتكار الحقيقي يبدأ بتمكين الباحثين من الوصول إلى المعرفة والأدوات المتقدمة. واستعرض تجربة منصة "أوبن مي" (OpenMe) كنموذج في هذا المجال حيث تتيح وصولاً مجانياً لأكثر من 100 تركيبة دوائية عالية الجودة. وتمنح هذه المبادرة العلماء والباحثين في الإمارات فرصة لاختبار أفكارهم ونظرياتهم العلمية دون أي عوائق مالية أو تقنية.
الثقة والمسؤولية الأخلاقية تناول الدكتور محمود فرّاج الإشكالية التي يواجهها القطاع في تحقيق التوازن بين النمو التجاري والربحية من جهة، والمسؤولية الجوهرية تجاه الصحة العامة والمريض من جهة أخرى. واعتبر أن هذا التحدي يكتسب مزيداً من التعقيد في الأسواق الناشئة، حيث تتداخل الاحتياجات الصحية مع محدودية الموارد وتفاوت مستويات الوعي الصحي.
واعتبر أن استدامة مستقبل الصناعة الدوائية لا يمكن أن تتحقق دون بناء توازن واضح بين الأداء المالي، وبين الثقة العامة ورفاه المريض، كما أن الاستثمار في التعليم الصحي والتوعية يجب أن يكون أولوية لجميع شركات الأدوية.
وفي سياق المسؤولية المجتمعية، تناول فرّاج دور شركات الأدوية في مجالي الفحص المبكر والوقاية، معتبراً أن الاستثمار في برامج الكشف المبكر والتنسيق مع الجهات الحكومية يمثل أحد الأدوار الجوهرية للصناعة الدوائية. ولفت إلى أن الشراكة بين صناعة الأدوية ومؤسسات القطاع العام ليست خياراً، بل ضرورة استراتيجية. وعلى شركات الأدوية في منطقة الشرق الأوسط اعتبار هذه الشراكات هدفاً أساسياً ضمن مسؤولياتها تجاه المجتمعات التي تخدمها، لضمان استدامة القطاع وفاعليته.
الابتكار ضرورة وليس رفاهية الابتكار والتحول الرقمي في بيئات الرعاية الصحية ذات الموارد المحدودة ليس مجرد إضافة اختيارية، بل هو "ضرورة تشغيلية" لضمان استمرارية الخدمات الطبية وتقديمها بجودة عالية وأسعار ميسورة. في هذا الإطار أوضحت يسرى بدر أن العمل في أسواق ناشئة مثل مصر وشرق أفريقيا يفرض تحدياً محورياً يتمثل في تحقيق المعادلة الصعبة بين الجودة والقدرة على تحمل التكاليف.
إن نجاح أي مبادرة ابتكارية مرهون بمدى توافقها مع الموارد المتاحة وقدرتها على معالجة المشكلات الجوهرية على أرض الواقع. وقد حذرت بدر من الانجراف وراء الأفكار التقنية الرائجة التي قد تبدو جذابة نظرياً لكنها تفتقر للأثر الحقيقي القابل للقياس محليا، إذ من الضروري اختيار المشاريع التي تلامس احتياجات مقدمي الرعاية والمنظومة الصحية بشكل مباشر.
يعتمد نجاح الابتكار في البيئات محدودة الموارد على وضوح آليات التطبيق.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من فوربس الشرق الأوسط
