لم يعد مقبولا أن نحتفي بالإنجاز الكروي المغربي بوصفه نموذجًا للنجاح، ثم نغضّ الطرف عن الإخفاقات التنموية المتراكمة التي تمسّ جوهر عيش المواطن وكرامته. فالنجاح في كرة القدم لم يكن وليد الصدفة ولا ضربة حظ، بل نتيجة تخطيط محكم، واختيار كفاءات، وربط صارم بين المسؤولية والمحاسبة. وهي الشروط .
نفسها التي ما تزال غائبة، أو مغيبة عمدا، في تدبير ملفات التنمية.
هنا لم يعد السؤال هو: هل يستطيع المغرب أن ينجح؟
لقد أجاب عن ذلك داخل الملاعب، وبحروف من ذهب.
السؤال الحقيقي هو: لماذا ننجح كرويا ونفشل تنمويًا؟
في كرة القدم، لا مكان للأعذار.
المدرب يُحاسَب، اللاعب يُقيَّم، المشروع يُراجع، والنتائج هي الحكم النهائي.
أما في التنمية، فالأعذار لا تنتهي، والفشل لا يُحاسَب، والنتائج المؤلمة تُغطّى بالخطابات.
في الصحة، يموت الحق في العلاج بصمت داخل مستشفيات عمومية منهكة، تعاني خصاصًا في الأطر والتجهيزات، بينما يُطلب من المواطن أن يتحلّى بالصبر بدل أن تُضمن له الكرامة.
في التعليم، تتعاقب الإصلاحات وتُهدر السنوات، دون أن يتحسن مستوى المدرسة العمومية أو تُستعاد الثقة فيها.
في العدالة المجالية والاجتماعية، لا تزال الهوة تتسع بين مغرب المركز ومغرب الهامش، وكأن التنمية امتياز جغرافي لا حق دستوري.
أما فرص الشغل، فهي الجرح المفتوح: شباب مُؤهَّل بلا أفق، وشهادات بلا قيمة، وسوق شغل عاجز عن استيعاب طاقات كان يفترض أن تكون رافعة المستقبل.
في كرة القدم، اللاعب الذي لا يعطي الإضافة يُستبعد بلا تردد.
في التنمية، المسؤول الذي يفشل يُعاد تدويره، وكأن الفشل خبرة، وكأن الإخفاق مؤهل للاستمرار.
هنا تكمن المفارقة الخطيرة:
نحن نعرف طريق النجاح، لكننا نرفض سلوكه حين يتعلق الأمر بالإنسان.
أين هو المدرب التنموي الذي يملك رؤية واضحة، وصلاحيات حقيقية، وشجاعة القرار؟
أين من يربط السياسات العمومية بالنتائج، لا بالنوايا؟
أين من يؤمن بأن الاستثمار في الصحة والتعليم والشغل أهم من أي إنجاز ظرفي أو رقم عابر؟
لقد لقّنتنا كرة القدم درسًا قاسيًا: لا نجاح دون تخطيط،
ولا نتائج دون محاسبة،
ولا مشروع دون كفاءة.
فإلى متى سنواصل الاحتفال بالأهداف في الملاعب،
بينما نخسر معركة التنمية في المستشفيات والمدارس وأحياء الهامش؟
التنمية ليست شعارًا انتخابيًا،وليست مباراة استعراضية ودية،
بل اختبار وجودي و بطولة طويلة النفس إما أن ننجح فيه، ونخوضها بجدية أو ندفع ثمن الفشل جماعيا .نعترف به دون تزييف
هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى
