ليست هذه أخلاق النشامى، ولا قيم الروح الرياضية، ولا حتى ما يُنسب تقليديًا إلى أخلاق البدو من شهامة ونبل واحترام الخصم. تلك اللقطة المؤسفة التي التقطتها عدسات الكاميرا أمام منصة التتويج، حين رفض بعض لاعبي المنتخب الوطني مصافحة الإطار التقني للمنتخب المغربي، وعلى رأسه طارق السكتيوي، لم تكن مجرد تصرّف عابر، بل رسالة سلبية موجّهة إلى جمهور واسع، وإلى عالم كرة القدم برمّته.
نحن هنا لا نتحدث عن مدرب عادي، بل عن رجل تجتمع فيه خصال الرياضي المحترف والإنسان الخلوق، يشهد له تاريخه وسلوكه داخل الملاعب وخارجها. تجاهله أو الامتناع عن مصافحته لا يمكن تبريره بالهزيمة، ولا بخيبة أمل عابرة، لأن الهزيمة في منطق الرياضة جزء من اللعبة، أما سوء السلوك فليس جزءًا من المنافسة، بل خروج عنها.
إن ما حدث يعكس خللًا أعمق من مجرد انفعال لحظة ، ويطرح سؤالًا مقلقًا: كيف لمنتخب يطمح إلى الانتقال إلى مصاف الكرة الاحترافية أن يسقط في اختبار بسيط اسمه الانضباط وروح اللعب النظيف؟ فالاحتراف ليس فقط عقودًا، ولا تجهيزات، ولا حضورًا إعلاميًا، بل قبل ذلك كله قدرة على ضبط النفس، واحترام الخصم، والاعتراف بقيمة الآخر، خصوصًا في لحظات الخسارة.
قد يقول قائل إن هذا السلوك يدخل في إطار التصرفات الفردية للاعبين، ولا يرقى إلى كونه سلوكًا مؤسساتيًا. لكن هذا التبرير سرعان ما ينهار أمام حقيقة أساسية: اللاعب الدولي لا يمثل نفسه فقط، بل يمثل قميصًا، ونشيدًا، وبلدًا، واتحادًا كرويًا. وكل تصرّف يصدر عنه في المحافل الرسمية يُحسب على المؤسسة التي ينتمي إليها، شاء أم أبى.
وماذا عن موقف الفيفا؟
من منظور قوانين الفيفا، فإن مثل هذه السلوكات لا تُصنَّف دائمًا ضمن المخالفات التقنية التي تستوجب عقوبات تلقائية، ما دامت لم تتضمن إهانات لفظية صريحة أو حركات عنصرية أو سلوكًا عدوانيًا مباشرًا. لكنها تندرج بوضوح ضمن ما تسميه الفيفا مبادئ اللعب النظيف وهي مبادئ أخلاقية تُعد جزءًا لا يتجزأ من منظومة كرة القدم الحديثة.
الفيفا، في مواثيقها وتوصياتها، تشدد باستمرار على:
احترام الخصم، سواء في الفوز أو الخسارة
إظهار الروح الرياضية في كل المناسبات الرسمية
اعتبار المصافحة والتقدير المتبادل رموزًا أساسية للعبة
وعليه، فحتى إن لم تُسجَّل الواقعة في خانة العقوبات، فإنها تُسجَّل حتمًا في خانة الصورة الذهنية للمنتخب، وهي صورة لا تقل أهمية عن النتائج داخل المستطيل الأخضر.
ما وقع أمام منصة التتويج ليس تفصيلًا ثانويًا، بل لحظة كاشفة. لحظة تقول إن الطريق إلى الاحتراف لا يمر فقط عبر الأكاديميات والملاعب، بل عبر تربية رياضية حقيقية، تُعلّم اللاعب كيف يخسر قبل أن تعلّمه كيف يفوز.
أما الاكتفاء بترديد شعارات النشامى و الأخلاق دون تجسيدها في السلوك، فليس إلا استهلاكًا رمزيًا لقيم تُهان عند أول اختبار. ويا للأسف، فالكاميرات لا ترحم، والتاريخ لا ينسى.
هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى
