الكرة المغربية في مأزق التثبيت:كيف نحافظ على المستوى دون التقعقر

لم يعد هناك خلاف حقيقي حول كون كرة القدم المغربية عاشت خلال السنوات الأخيرة واحدة من أفضل مراحلها التاريخية.

تطور لافت شمل المنتخبات الوطنية بمختلف فئاتها، رجالًا ونساءً، ورافقته نتائج غير مسبوقة أعادت للمغرب مكانته قارّيًا وعالميًا.

هذا الصعود لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة رؤية واضحة، واستراتيجية اشتغال، ومنهجية تخطيط، وإمكانيات مادية وبشرية وُظفت بقدر من العقلانية.

غير أن الإشكال اليوم لم يعد مرتبطًا بإثبات النجاح، بل بكيفية تثبيته وحمايته من التآكل. فالتجارب الكروية عبر العالم تُعلّمنا أن الصعود، مهما كان مبهرًا، يظل لحظة عابرة إن لم يتحول إلى مسار دائم. ومن هنا يمكن القول إن الكرة المغربية لا تعيش أزمة نتائج، بل تعيش مأزق التثبيت.

هذا المأزق يزداد حدة إذا استحضرنا أن المغرب، في المدى المنظور جدًا، مقبل على استحقاقين كبيرين سيشكلان اختبارًا حقيقيًا لمدى متانة هذه المنظومة: كأس إفريقيا للأمم وكأس العالم. وهذان الموعدان لن يكونا مجرد محطتين للتنافس، بل امتحانًا لقدرة الكرة المغربية على الحفاظ على مستواها، وتأكيد أنها لم تكن طفرة عابرة، بل مشروعًا ناضجًا قابلًا للاستمرار.

إن الحفاظ على المستوى الحالي يمرّ، أولًا، عبر معالجة التناقض الصارخ بين تألق المنتخبات الوطنية وهشاشة عدد من الأندية.

ففي كل النماذج الكروية الناجحة، تشكل الأندية العمود الفقري لأي تطور مستدام، ويأتي المنتخب كنتيجة طبيعية لقوتها. أما حين تصبح المنتخبات متقدمة على أنديتها، فإن الخلل يكون بنيويًا، ويهدد الاستمرارية.

من هنا تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة بناء الأندية المغربية على أسس احترافية حقيقية، تجعل منها مؤسسات رياضية واقتصادية قائمة بذاتها، لا فرقًا تعيش على الإعانات أو تخضع لمنطق الظرفية والانتخابات. فالاحتراف ليس شعارًا يُرفع، بل نموذج اقتصادي متكامل يقوم على تنويع مصادر الدخل، واستثمار العلامة التجارية، وتسويق المنتوج الكروي، وتكوين لاعبين قادرين على خلق قيمة مضافة داخل وخارج الملعب.

ولا يمكن الحديث عن تثبيت المنجز دون التوقف عند ورش التكوين، الذي عرف تطورًا ملحوظًا، لكنه ما يزال في حاجة إلى الانتقال من كونه مشروعًا مرحليًا إلى فلسفة دائمة. التحدي اليوم لا يكمن في إنتاج جيل ناجح، بل في ضمان تدفق مستمر للأجيال، عبر هوية كروية واضحة، وفلسفة لعب موحدة، وتكوين للمدربين يوازي في أهميته تكوين اللاعبين، وربط حقيقي بين الرياضة والمدرسة.

وفي موازاة ذلك، يبرز عامل لا يقل أهمية، ويتمثل في طريقة إدارة النجاح. فالتجارب العالمية تُظهر أن الإفراط في التمجيد، واستعجال الألقاب، وتحويل الإنجازات إلى ضغط دائم، قد يكون مدخلًا للتراجع بدل التطور. الحفاظ على المستوى يقتضي هدوءًا مؤسساتيًا، وخطابًا واقعيًا، وقدرة على تقبّل التراجع الظرفي دون التشكيك في المشروع أو نسفه.

كما أن الإختبار الحقيقي لنضج الكرة المغربية لن يكون في الفوز بلقب قاري أو تحقيق مشاركة مشرفة في كأس العالم، بل في قدرتها على الإستمرار بنفس القوة مهما تغيرت الأسماء والوجوه. حين تصبح المنظومة أقوى من الأفراد، والقوانين أقوى من العلاقات، يمكن حينها الحديث عن كرة قدم مؤسسية لا ترتبط بجيل ولا بشخص.

إن الإستحقاقين القادمين، كأس إفريقيا وكأس العالم، سيكونان بمثابة مرآة صادقة لهذا التثبيت المنشود. فإما أن يؤكدا أن المغرب دخل فعلًا مرحلة النضج الكروي، أو يكشفا أن ما تحقق، رغم أهميته، ما يزال في حاجة إلى تعميق وتحصين.

في النهاية، لا تُقاس قوة كرة القدم فقط بما تحققه من انتصارات، بل بقدرتها على حماية مكتسباتها والبناء عليها. والكرة المغربية اليوم أمام فرصة تاريخية للإنتقال من لحظة نجاح إلى زمن نضج، ومن قصة ملهمة إلى مدرسة كروية راسخة، قادرة على الحضور الدائم في المواعيد الكبرى، لا كضيف عابر، بل كقوة ثابتة في المشهد الكروي العالمي.


هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جريدة كفى

منذ 3 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 3 ساعات
موقع طنجة نيوز منذ 6 ساعات
أحداث الداخلة منذ ساعة
بلادنا 24 منذ 16 ساعة
هسبريس منذ 12 ساعة
هسبريس منذ 3 ساعات
هسبريس منذ 10 ساعات
صحيفة الأسبوع الصحفي منذ 13 ساعة
هسبريس منذ 9 ساعات