تُعدّ الوجهة التونسية محلّ تقدير واسع في عدد من بلدان إفريقيا الفرنكوفونية، غير أنّ حضورها ظلّ محدودًا في أسواق إفريقية كبرى، وعلى رأسها نيجيريا، إحدى أهم أربع قوى اقتصادية في القارة الإفريقية، وصاحبة أحد أكبر أسواق السياحة العلاجية في المنطقة. مبادرة دبلوماسية اقتصادية لكسر العزلة عن سوق واعد: وانطلاقًا من هذا الواقع، بادرت سفارة تونس بنيجيريا، بالتعاون مع الغرفة الوطنية لمؤسسات وخدمات الصحة (CNESS) التابعة لفيدرالية الصحة بـالاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (UTICA)، وبالشراكة مع تمثيلية مركز النهوض بالصادرات (CEPEX) بنيجيريا، إلى تنظيم مهمة ترويجية تهدف إلى التعريف بتونس كوجهة للسياحة الصحية، في ظل تزايد اهتمام الفاعلين النيجيريين بهذا القطاع. وقد تُوّجت هذه المبادرة بلقاء مهني جامع احتضنه مقر UTICA يوم 18 ديسمبر 2025، بحضور مختلف الأطراف المؤسسية والمهنية، من بينها وزارتي الشؤون الخارجية والصحة، والمصحات الخاصة، ووكالات السياحة العلاجية، إلى جانب الهياكل الداعمة للتصدير. رئيس الغرفة الوطنية: السوق النيجيري كان بعيدًا واليوم نفتح الأبواب: وفي تصريح له لجريدة الحرية، أكّد الدكتور شهاب حدوا، رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات وخدمات الصحة، أنّ السوق النيجيري لم يكن يتوجّه تقليديًا نحو تونس، إمّا لضعف المعرفة بالإمكانيات التونسية أو لغياب قنوات التواصل المباشر، مشيرًا إلى أنّ هذه الندوة شكّلت أول اختراق فعلي لهذا السوق الاستراتيجي. وأوضح أنّ النيجيريين يتوجّهون بأعداد كبيرة إلى الخارج للعلاج، نتيجة نقص الخبرة الطبية المتخصصة وضعف التجهيزات الاستشفائية في بعض المجالات، ما جعلهم يفضّلون وجهات مثل الهند وتركيا و الإمارات وأضاف: اليوم، من خلال هذه المهمة الاستكشافية، نعمل على تغيير هذه المعادلة، والتعريف بتونس كخيار قريب، تنافسي، وذي كفاءة طبية عالية. أرقام تكشف حجم الرهان: وقد أفضت دعوة الترشحات التي أُطلقت في نيجيريا إلى اختيار ستة مشغّلين من بين الأكثر نشاطًا في مجال الإجلاء الطبي، بطاقة استيعاب محتملة تُقدّر بـ2000 مريض نيجيري سنويًا، في حين يُقدَّر حجم السوق النيجيري بنحو 60 ألف مريض سنويًا، ما يبرز حجم الفرص المتاحة أمام القطاع الصحي التونسي. زيارة ميدانية لاكتشاف الإمكانيات وتشخيص النقائص: وخلال إقامتهم في تونس من 16 إلى 21 ديسمبر 2025، قام أعضاء الوفد النيجيري بزيارات إلى عدد من المصحات الخاصة ومراكز النقاهة، إضافة إلى لقاءات مع مهنيي التسهيل الطبي والفاعلين في تنظيم وهيكلة القطاع. وفي هذا السياق، صرّح المستثمر النيجيري حبيب بوحندلي، صاحب مستشفى في أبوجا وناشط في مجال السياحة الطبية، قائلاً: نحن في تونس اليوم لفتح آفاق التعاون وجلب المريض النيجيري و لمسنا اهتمامًا حقيقيًا من الجانب التونسي، وهو ما شجّعنا على التفكير في الإستثمار. غير أنّه شدّد في المقابل على ضرورة تطوير مستوى الخدمات المحيطة بالمؤسسات الاستشفائية، وتحسين البنية الجمالية والتنظيمية، معتبرًا أنّ الاستثمار في جودة التجربة الصحية الشاملة بات شرطًا أساسيًا للمنافسة مع وجهات مثل الإمارات وغيرها. رهان استراتيجي يتجاوز العلاج إلى التموقع القاري: لا يقتصر هذا التوجّه على استقطاب المرضى فحسب، بل يندرج ضمن رؤية أوسع تهدف إلى تموقع تونس كمنصة صحية إقليمية، تجمع بين الكفاءة الطبية، والقرب الجغرافي، والتكلفة التنافسية، والانفتاح على الأسواق الإفريقية الأنغلوسكسونية. من الفرصة إلى الريادة: تُمثّل هذه المبادرة خطوة أولى، لكنها حاسمة، على طريق اختراق سوق نيجيرية ضخمة وعطشى لحلول صحية موثوقة. وبين الإمكانيات الطبية التونسية المعترف بها، وحجم الطلب الإفريقي المتنامي، تبقى الكرة اليوم في ملعب الاستثمار والتطوير والجرأة الاستراتيجية. فإمّا أن تتحوّل تونس إلى وجهة طبية مرجعية في إفريقيا، أو تترك الفرصة لغيرها والرهان، هذه المرة، واضح. نادرة الفرشيشي
هذا المحتوى مقدم من جريدة الحرية التونسية
