ملخص يبدو أن فتى أفيرون لم يجب عن الأسئلة التي كان ينتظر منه أن يجيبها، بل إنه نكاية في من استغلوا زلة خروجه من الغابة فحبسوه في المجتمع وعلقوه في الشرفة وربطوا له كلمات بأشياء كان يجدها في الغابة بلا كلمات، أضاف مزيداً من الأسئلة والحيرة إلى من أرادوا منه الإجابات واليقين. وبينما رآهم يقنطون من حوله واحداً تلو الآخر، كان يصر هو على دفاعه الوحيد، الصمت.
خلال التاسع من يناير عام 1800، خرج فتى غريب من غابة في فرنسا، مهلهل الثياب، معدوم اللغة، مفتقراً إلى أبسط قواعد اللياقة، فكان يبول ويتغوط حيثما يشاء، ويرفض الطعام كله في ما عدا البطاطا. وعلى بؤسه هذا، تهافت كثر على ذلك الفتى الوحشي يريدون منه أن يفصل بين فيلسوفين.
LIVE An error occurred. Please try again later
Tap to unmute Learn more ذلك الفتى هو موضوع كتاب "التجربة المحظورة: قصة فتى أفيرون البري" للكاتب الأميركي روجر شاتوك، وأُعيدت طباعته أخيراً ضمن سلسلة كتب كلاسيكيات "ذي نيويورك رفيو"، بعد قرابة 50 عاماً من صدوره الأول.
تكتب بيكا روثفيلد ["ذي واشنطن بوست" الـ11 من ديسمبر (كانون الأول) 2025] أن الفتى الغريب "خرج من الغابة إلى قرية سان سيرنين الصغيرة جنوب فرنسا. لم يكن عليه غير قميص مهلهل، ولم يبد أنه نال أي قدر من التعليم، بل بدا أنه لا يألف المجتمع بالمرة. كان ظاهر أمره أنه في الـ11 أو الـ12 من عمره. ولم يكن عدوانياً، لكنه أثار حيرة القرية برفضه الطعام إلا البطاطا. ولما خاطبه المسؤولون اكتشفوا أنه لا يجيد الحديث بأية لغة".
"صار الفتى البري محط افتتان الناس ورعاية مؤسسات الأعمال الخيرية. وكان أيضاً حال اختبار ملائمة لمذهبين فلسفيين متنافسين آنذاك. فخلال القرن الـ17 كان الفيلسوف وعالم الرياضيات الفرنسي رينيه ديكارت رأى أن المعرفة فطرية، وزعم في كتاب (التأملات) أنه حصر جميع المعلومات التجريبية بهدف عزل المبادئ التي سيولدها العقل البشري ولو في الفراغ بفضل قدراته المنطقية المحضة. وبعد جيل، جاء الفيلسوف الإنجليزي جون لوك ليشكك في نتائج ديكارت، مقترحاً أن الطفل يكون صفحة بيضاء تشكلها التربية والتجارب الحسية. وكان الفتى البري فرصة للحكم بين الموقفين المتناقضين".
خلال عام 1800، كانت فرنسا بحسب ما يكتب ميتشل أبيدور ["لوس أنجليس رفيو أوف بوكس" الـ19 من أغسطس (آب) 2025] تجاوزت المرحلة الراديكالية في ثورتها، فالملك والملكة انتهيا إلى المقصلة، والجمهورية قامت، وبدأ الزمن دورة جديدة بتقويم جديد يمثل 1782 عامه الأول، وتهمشت قوى ونشأت أخرى، وقام حكم ديكتاتوري بقيادة نابليون بونابرت، "ومع ذلك، ظلت عناصر من الثورة باقية في أذهان بعض. فبقيت الرغبة في فهم جيد للنفس الإنسانية ومحاولة تحسينها".
بين ديكارت ولوك كان على فتى في الـ12 على الأكثر، وهو أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان، أن يفصل بين ديكارت ولوك، ويشبع لدى فرنسا الجريحة في ثورتها رغبة فهم النفس الإنسانية وسبل تحسينها. فيا للعبء الجسيم.
تكتب روثفيلد أن روجر شاتوك ذهب في تحفته غير القابلة للتصنيف، أي كتاب "التجربة المحظورة" الذي صدر للمرة الأولى عام 1980، إلى أن "الفتى أتاح فرصة نادرة عساها تكشف لنا ماذا تكون حقاً الطبيعة البشرية المختفية من وراء طبقات المجتمع والثقافة". والتجربة المحظورة هي عزل طفل وليد لنعرف كيف يتكون الإنسان، وهو ما ينافي الإنسانية أصلاً.
غير أن التجربة المحظورة لم تكن محظورة دائماً، فأبيدور يذكرنا بأن "هيرودت كتب عن حاكم مصري خلال القرن السابع قبل الميلاد عزل طفلين ليكتشف اللغة التي قد ينطقان بها فطرياً. وأجرى حكام آخرون التجربة فتوصلوا إلى نتائج غير منطقية، شأن ملك اسكتلندي خلال القرن الـ16، ويقال إن الطفل في تجربته نطق بالعبرية! ولو صح إجراء هذه التجارب حقاً، فقد قامت على فرضية غير إنسانية هي أنه لا بأس في عزل أطفال عن آبائهم ومجتمعهم لمعرفة حقيقة عن الإنسانية. وفي حال فتى أفيرون البري كانت العزلة تحققت فعلاً، فصار الهدف هو دراسة عزلته لمعرفة ما كان إياه بفطرته، وما يمكن أن يصبح عليه".
هكذا كان الفتى، بحسب روثفيلد، "نعمة، إذ ظهر ليلقي الضوء على أنماط الحياة البشرية المعتادة، من خلال انحرافه الشديد عنها. ويكتب شاتوك أن الفتى حينما خرج من الغابة كان (إنساناً في هيئته الجثمانية) لكن (كل ما عدا ذلك فيه كان يوحي بالحيوانية)، وكان ذلك رأي أول من قاموا على رعايته. إذ كتب عالم طبيعة أشرف على الفتى فور اكتشافه أن (المرء يحسب أنه ما من رابط بين روحه أو عقله وجسمه، وأنه لا يستطيع التأمل في أي شيء)، وتساءل فيلسوف وعالم أنثروبولوجيا اهتم بالفتى (باستثناء وجهه البشري، ما الذي يميزه عن قرد؟)".
يقول أبيدور إن بيير جوزيف بونارتير، قس المنطقة التي ظهر فيها الفتى، وأحد علماء الطبيعة خلال الوقت نفسه، كان "أول من درس الفتى بجدية في أيامه الأولى، وكتب تقريراً مسهباً عن تجاربه في القرية، أشار فيه إلى نفور الفتى من الملبس وارتيابه من جميع أنواع الطعام إلا البطاطا. وأشار أيضاً إلى مساعٍ بُذلت لتعيين أبوي الطفل الذي قدر عمره بقرابة 12 سنة قضى نصفها في البرية. عاش الفتى الوحشي ثمانية أشهر في سان سيرنين، منها فترة في ملجأ أيتام، فأحرز قليلاً من التقدم في اكتساب القدرات الاجتماعية. وكان الغذاء خلال تلك الفترة هو همه الأساس، وكأنه لا يزال يعيش في الغابة مصارعاً من أجل البقاء".
"التفت بوناتير إلى افتقار الفتى إلى الذكاء، وخلص إلى أنه يجب علينا أن نقول إنه في كل ما لا يتعلق بحاجاته الطبيعية أو إشباع شهيته، لا يمكن للمرء أن يرى فيه سوى سلوك حيواني . وفي نهاية الفترة الأولى، بتعبير شاتوك، كان الطفل أقل ترويضاً من كلب أو حصان، ولكنه إنسان بلا لبس ".
كان فتى أفيرون ظهر قبل دخوله قرية سان سيرمين لفترات عابرة من عامي 1798 و1799 في قرية أخرى على بعد 120 كيلومتراً، وكان آخر ظهور له قبل ستة أشهر من بلوغه سان سيرمين حيث عثر عليه نابشاً الأرض عن الخضراوات في حديقة بيت أحد الدباغين. وكتب مسؤول محلي تقريراً مبكراً عنه لم يمض وقت طويل من حديثي معه حتى اكتشفت أنه أبكم. وسرعان ما لاحظت أنه لا يبدي رد فعل للأسئلة العديدة التي طرحتها، بصوت جهير أو هامس، فانتهيت إلى أنه لا بد أن يكون أصم ". سيتضح سريعاً أن التشخيص خاطئ، لكنه سيقود الفتى إلى الرجل الأهم في حياته.
تكتب روثفيلد أن المرشح منذ البداية لترويض ذلك المخلوق الغريب كان الأب روش أمبرويز كوكورون سيكارد،.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

