قال أستاذ العلاقات الدولية، يوسف الفارسي، إن غالبية الأطراف الوطنية لا تثق في الحوار المهيكل، وأن الحديث عن توصل مجلسي النواب والأعلى للدولة، إلى اتفاق بشأن الملف الانتخابي ما يزال سابقًا لأوانه، في ظل حالة الانقسام الحاد والصراع السياسي المستمر حول القوانين الانتخابية، مؤكدًا أن المشهد العام يتسم بالارتباك وغياب التوافق وفق تعبيره.
وأوضح الفارسي، في حديث لقناة ليبيا الحدث ، رصدته الساعة 24 أن إطلاق مسار الحوار المهيكل، جرى دون وجود آلية واضحة لاختيار المشاركين أو استراتيجية محددة لخطة العمل التي يُفترض أن تقودها البعثة الأممية، معتبرًا أن جوهر الأزمة لا يقتصر على نصوص القوانين الانتخابية، بل يتجاوزها إلى خلافات أيديولوجية عميقة بين أطراف سياسية لا ترغب أساسًا في خوض الانتخابات.
وأشار إلى وجود صراع كبير حول مواد بعينها في القوانين الانتخابية، تقف خلفه أطراف تعارضها بشكل مباشر، ما أدى إلى تعقيد المشهد وعرقلة أي تقدم حقيقي، كما لفت إلى أن حالة الصراع لا تقتصر على القوى السياسية، بل تمتد إلى المؤسسات الشرعية والتشريعية والتنفيذية، وهو ما يعمّق حالة عدم التوافق ويعطل مسار الحل.
وانتقد الفارسي، أداء البعثة الأممية، معتبرًا أنها لم تقدم حتى الآن برامج واضحة أو رؤية شاملة لمعالجة الأزمة، موضحًا أن مسار الحوار اقتصر على أسماء محددة دون مراعاة التوازن أو إشراك الأطراف الفاعلة والمؤثرة على أرض الواقع من حيث الثقل السياسي والاجتماعي، ورأى أن هذا النهج أجحف بحق العديد من الأطراف في المشاركة، وأعطى انطباعًا بعدم الجدية في الوصول إلى حل توافقي حقيقي، بل بالسير وفق رؤى وضغوط دولية تخلط الأوراق ولا تعالج جذور الأزمة.
وحسب الفارسي، فإن جاهزية المفوضية من الناحية الفنية والإجرائية لا تعني بالضرورة أن العملية الانتخابية باتت مهيأة للنجاح، مؤكدا أن القوانين الانتخابية ما زالت تعاني من قصور واضح، ولا يوجد توافق حقيقي حولها، ما يجعل الحديث عن انتخابات قريبة سابقًا لأوانه.
ورأى أن غالبية الأطراف الوطنية لا تثق بالحوار المهيكل، مشددا على أن أي حوار ناجح يجب أن يقوم على توازن حقيقي بين أطرافه وأن يفضي إلى نتائج تحظى بقبول واسع، محذرًا من أن استمرار الحوار بشكله الحالي قد يفاقم الانقسام بدل معالجته.
وحذّر الفارسي، من تداعيات خطيرة لغياب الثقة والانقسامات القائمة بين المؤسسات على مستقبل العملية الانتخابية، واعتبر أن ما يجري قد يكون جزءًا من مسار ممنهج لإطالة أمد المرحلة المؤقتة، مشيرا إلى وجود أجندات واضحة، خاصة فيما يتعلق بتحريك الشارع، ومؤكدًا أن المجتمع الدولي يتحرك غالبًا وفق مصالحه، وأن الحلول الدولية المطروحة ليست جديدة.
كما انتقد آلية اختيار المشاركين في الحوار المهيكل، معتبرًا أنها فقدت شروط النزاهة والتمثيل الحقيقي، بسبب غياب المصداقية ووجود شخصيات مثيرة للجدل تحيط بها شبهات، كما جرى إشراك شخصيات لا تمثل توجهات وطنية واضحة بقدر ما تخدم مصالح دولية على حد وصفه ما أفقد الحوار مصداقيته منذ بدايته، ولم يُظهر نية جادة لمعالجة الأزمات أو تقديم إجابات واضحة للمواطنين.
ودعا أستاذ العلاقات الدولية، إلى التعامل مع الجدل الدائر حول إعادة تشكيل مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من منطلق المسؤولية الوطنية، محذرًا من أن الإقدام على أي تغيير في هذا التوقيت الحساس قد يترك انعكاسات سلبية على المسار الانتخابي ويؤدي إلى مزيد من التعطيل، مبينا أن المسؤولية لا تقتصر على مسألة عدم إعادة التشكيل فحسب، بل تمتد أيضًا إلى قرار تشكيل مجلس جديد في ظل غياب الظروف الملائمة.
وحذر من تعيين شخصيات تفتقر إلى الخبرة أو قد تخدم أجندات معينة، وهو ما وصفه بـ الأمر الكارثي على المسار الوطني، لافتا إلى أن مجلس المفوضية الحالي، رغم محدودية الإمكانيات، تمكن من أداء جزء من المهام وبذل جهدًا واضحًا، معتبرًا أن الاستمرارية المؤسسية عنصر مهم في هذه المرحلة الحساسة، وأن استبدال المجلس بشخصيات غير توافقية أو غير متمرسة قد يفتح الباب أمام تدخلات لا تخدم المصلحة الوطنية.
ورأى الفارسي، أن تنظيم إجراء الانتخابات الرئاسية في أبريل المقبل صعب للغاية وربما شبه مستحيل وفق الجداول الزمنية المطروحة، موضحًا أن المفوضية تتحدث عن جاهزيتها من حيث المبدأ، شريطة توفير الدعم واعتماد الترتيبات القانونية واللوجستية المناسبة، وأضاف أن فرص إجراء الانتخابات قد تكون ممكنة خلال العام المقبل إذا توفرت الشروط السياسية والفنية، إلا أن تغيير مجلس المفوضية في هذا التوقيت سيزيد المشهد تعقيدًا.
وشدد الفارسي، على أن الوصول إلى الانتخابات يتطلب بالضرورة تشكيل حكومة موحدة بصلاحيات محددة تهيئ البيئة السياسية والأمنية المناسبة، معتبرًا أن وجود أكثر من حكومة يعمّق التشظي ويعطل مؤسسات الدولة، في وقت يجعل فيه انتشار السلاح والانفلات الأمني تنظيم انتخابات نزيهة أمرًا بالغ الصعوبة.
واعتبر الفارسي، أن استمرار الجدل حول حكومة الدبيبة، يعكس عمق الأزمة، مؤكدا أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى رئيس حكومة جديد وحكومة جديدة ليس بالأسماء فقط، بل بالنهج والممارسة، مع الإقرار بعدم وجود ضمانات حقيقية، لكن لا خيار آخر أمام الليبيين في ظل تفشي الفساد وسوء إدارة المال العام.
وختم الفارسي حديثه مؤكدا على أن الحفاظ على الاستقرار المؤسسي ووجود شخصيات ذات خبرة تراكمية داخل المفوضية يُعدان عنصرين أساسيين لإنجاح أي استحقاق انتخابي قادم، داعيًا الأطراف السياسية إلى تحمّل مسؤولياتها والانخراط في حوار جاد، محذرًا من أن استمرار الحوارات الشكلية أثبت فشله منذ البداية.
هذا المحتوى مقدم من الساعة 24 - ليبيا
