محمد الجارالله يكتب - الإعلام الرقمي في «عصر ما بعد الحقيقة»: بين التوعية الفعّالة والتضليل المدمر

أصبح التدفق الهائل والمفرط للمحتوى الإعلامي خطراً لا يقل أثراً وعمقاً عن الأوبئة الصحية أو الأزمات الاقتصادية أو الاضطرابات السياسية، وأصبحت المشكلة في غياب القدرة على التمييز بين المحتوى الصحيح والمضلل. ومع دخول الذكاء الاصطناعي في كل مفاصل الحياة، شهد العالم تحولاً جذرياً في المشهد الإعلامي، وأصبحت «السوشيال ميديا» بيئة شاملة تُنتج وتُستهلك فيها المعرفة بسرعة غير مسبوقة. كما تحولت منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، تويتر/ إكس، إنستغرام، وتيك توك إلى مصادر المعلومات الرئيسية للملايين، والتي يُقدَّر عدد مستخدميها بنحو ستة مليارات شخص في مختلف دول العالم.

«عصر ما بعد الحقيقة» (Post-Truth Era)

يلخص هذا الواقع بدقة مصطلح «عصر ما بعد الحقيقة» الذي اختارته قواميس أكسفورد كلمة عام 2016، حيث أصبحت الحقائق الموضوعية المدعومة بأدلة علمية أقل تأثيراً في تشكيل الرأي العام مقارنة بالعواطف الشخصية والمعتقدات المسبقة والسرديات التي تعزف على وتر الانطباعات العابرة، وما يمكن تسميته بـ الإنفوميديا (Infomedia). في هذا الفضاء الجديد، تختلط المعلومة بالترفيه، والخبر الجاد بالرأي السطحي، والتحليل العميق بالعاطفة الجياشة. ولم يعد الخطر محصوراً في غياب المعلومة، بل في غياب القدرة على التمييز. لم تعد الحقيقة هي معيار الانتشار، بل أصبح الترند وعدد المشاهدات والإعجابات هو الحكم الأعلى وشهادة الاعتماد. والنتيجة الأخطر هي تفكيك الرابط بين المعلومة والمسؤولية، وتأثير المعلومات المضللة على ملايين المتلقين الذين يتبنون قراراتهم الصحية والاجتماعية والسياسية دون أن يمر ذلك التضليل عبر أي عملية تحقق أو مساءلة.

أخطر وجوه الفوضى: التضليل في المجال الصحي «الإنفوديميك»

يتجلى أخطر وجوه هذه الفوضى في المجال الصحي، حيث يتحول الإعلام الرقمي من أداة توعية محتملة إلى مصدر تضليل وعبء على صحة المجتمع. فمن ذلك انتشر الترويج لوصفات وأنظمة غذائية، بل حتى أدوية علاجية، تفتقر إلى أي أساس علمي أو دراسات سريرية، وتُقدَّم بثقة مفرطة من قبل مؤثرين غير متخصصين، دون النظر إلى عواقب المخاطر الصحية الجسيمة.

كما يُقدَّم العلاج بالأعشاب وما يُعرف بعلاج «الطاقة» كبديل مطلق للطب الحديث المبني على الأدلة، بل ويُصوَّر الأطباء أحياناً باعتبارهم خصوماً لا شركاء، مما يضلل المرضى ويدفع بعضهم إلى تأخير العلاج الفعّال أو رفضه تماماً، بثمن صحي باهظ قد يؤدي إلى تفاقم الأمراض أو الوفاة.

هذا الواقع دفع منظمة الصحة العالمية إلى اعتماد مصطلح «الإنفوديميا» (Infodemic) لوصف الانتشار المفرط للمعلومات الصحيحة والمضللة معاً، بحيث يصبح الوصول إلى الحقيقة أمراً بالغ الصعوبة. الخطر هنا لا يكمن في الكذب الصريح فحسب، بل في تشويش المعرفة، وتساوي الرأي الشخصي مع الدليل، حتى يفقد الناس ثقتهم بالخبرة والمؤسسات.

التآكل الأخلاقي والقيمي: تهديد للبنية الاجتماعية

يمتد الأثر الإعلامي ليطال البنية الأخلاقية والقيمية للمجتمع، مهدداً بتآكلها. ففي قضايا الزواج والطلاق، تُقدَّم العلاقات الإنسانية.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الجريدة

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الجريدة

منذ ساعتين
منذ 9 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 3 ساعات
منذ 8 ساعات
صحيفة الأنباء الكويتية منذ 17 ساعة
صحيفة الأنباء الكويتية منذ 3 ساعات
صحيفة الوطن الكويتية منذ 18 ساعة
صحيفة الوطن الكويتية منذ 21 ساعة
صحيفة الراي منذ 11 ساعة
صحيفة السياسة منذ 15 ساعة
صحيفة الأنباء الكويتية منذ 3 ساعات
صحيفة السياسة منذ 12 ساعة