كان عام 2025 عاما استثنائيا في تاريخ لبنان الحديث، حافلا بمحطات مفصلية سياسيا وأمنيا وماليا ودينيا، أعادت رسم المشهد الداخلي وفتحت الباب على تحوّلات كبرى. ويمكن اختصار هذا العام بـ10 أحداث بارزة شكّلت عناوينه الأساسية:انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية، منهيا مرحلة طويلة من الشغور الرئاسي في 9 يناير.زيارة البابا إلى لبنان في حدث ديني إنساني حمل رسائل دعم روحية وسياسية للبنانيين في 30 نوفمبر. إقرار مجلس الوزراء مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة ومنح الجيش اللبناني مهلة 4 أشهر لتنفيذ القرار في مايو.مناقشة مشروع قانون الانتظام المالي المعروف بقانون الفجوة المالية، كمدخل لمعالجة الأزمة المصرفية المستمرة منذ أكثر من 5 سنوات في 22 ديسمبر. التفاوض المباشر مع إسرائيل عبر تعيين سيمون كرم مفاوضا لبنانيا في 4 ديسمبر.الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان من الجنوب إلى الضاحية وصولا إلى البقاع.. على مدار العام.اغتيال إسرائيل لمسؤول بارز في "حزب الله" وهو هيثم طبطبائي في تطور أمنيّ خطير في 23 نوفمبر. تنامي دور الجيش اللبناني أمنيا وسياديا في ظل تحديات داخلية وضغوط إقليمية. استمرار الانقسام السياسي حول الإستراتيجية الدفاعية ومستقبل السلاح.تفاقم الأوضاع المعيشية والاجتماعية مع استمرار تداعيات الأزمة الاقتصادية على حياة اللبنانيين.محطة مفصلية في تاريخ لبنان وفي هذا السياق، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي جان الفغالي، أن عام 2025 شكّل محطة مفصليّة في تاريخ لبنان الحديث، نظرا لتراكم أحداث كبرى على أكثر من مستوى.وأشار الفغالي إلى أن الحدث السياسي الأبرز تمثّل في انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية، ما أنهى مرحلة طويلة من الشغور الرئاسي وأعاد انتظام العمل الدستوري.
وعلى المستوى الديني، لفت إلى أن زيارة البابا إلى لبنان شكلت الحدث الأهم، لما حملته من دلالات روحية ورسائل دعم للبنانيين في خضم أزماتهم المتعددة.حكومياً، شدّد الفغالي على أنذر قرارات مجلس الوزراء المتعلقة بحصرية السلاح بيد الدولة شكّلت عنوانا أساسيا في عام 2025، لا سيما مع منح الجيش اللبناني مهلة 4 أشهر، اعتبارا من 5 مايو، لإنجاز هذه المهمة، مع الإشارة إلى أن المعطيات توحي بأن التنفيذ قد لا يكتمل مع نهاية العام.ملفات الأزمة الاقتصاديةوفي الشأن المالي، رأى أن مناقشة قانون الانتظام المالي، المعروف بقانون الفجوة المالية، أعادت فتح واحد من أعقد ملفات الأزمة الاقتصادية، المتعثرة منذ أكثر من 5 سنوات، أي منذ اندلاع الأزمة المصرفية وتظاهرات 17 أكتوبر.أما أمنياً، فأكد الفغالي أن اغتيال إسرائيل لمسؤول بارز في "حزب الله" شكّل أبرز التطورات، في سياق تصعيد متواصل طال الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية والبقاع، ما جعل العام 2025 عاما ثقيلا بالأحداث الأمنية.وختم الفغالي بالتأكيد أن هذه الوقائع مجتمعة رسمت ملامح عام استثنائي في تاريخ لبنان الحديث.نقطة تحوّلمن جهته، اعتبر المؤرّخ والباحث السياسي عماد مراد أن ما شهده لبنان في عام 2025 لا يمكن فصله مطلقاً عمّا جرى في الأشهر الأخيرة من عام 2024، مؤكدا أن نهاية الحرب الإسرائيلية على "حزب الله"، ووقف ما عُرف بـ"حرب الإسناد"، شكّلا نقطة تحوّل مفصلية انعكست مباشرة على مجمل التطورات السياسية في البلاد.وأشار مراد إلى أن انتهاء الهجوم الإسرائيلي الواسع الذي استمر 66 يوماً، وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 27 من نوفمبر 2024، بوساطة أميركية بين الدولة اللبنانية وإسرائيل، فرض واقعا جديدا في لبنان مع بداية عام 2025، وبدّل موازين القوى السياسية والأمنية.ولفت إلى أن نتائج الحرب، وما رافقها من اعتداءات إسرائيلية مكثّفة وعمليات أمنية نوعية، أدّت إلى التزام "حزب الله" بشروط اتفاق وقف إطلاق النار، ما انعكس في عدم الرد على الضربات اللاحقة، سواء نتيجة التزام سياسي أو نتيجة تراجع القدرة على المواجهة، معتبرا أن الاحتمالين أدّيا إلى النتيجة نفسها: تغيير عميق في الحياة السياسية اللبنانية.خارج عباءة "حزب الله"وفي هذا السياق، رأى مراد أن انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية في 9 يناير 2025 شكل أولى نتائج هذا التحول، خصوصا أن "حزب الله" كان يعارض هذا الخيار سابقا، قبل أن يأتي الانتخاب بتوافق داخلي وخارجي. كما أشار إلى أن تشكيل حكومة نواف سلام بعد نحو شهر ونصف، من خارج عباءة "حزب الله" والثنائي الشيعي، مثّل سابقة سياسية لم يشهدها لبنان منذ سنوات.وأوضح أن الثنائي الشيعي لم يعد يمتلك أدوات النفوذ التي كان يستخدمها داخل السلطة التنفيذية، سواء عبر فرض رئيس حكومة محسوب عليه، أو امتلاك الثلث المعطّل، أو الاستناد إلى حليف سياسيّ وازن داخل الحكومة، في ظل تراجع دور التيار الوطني الحر سياسيا. وأضاف أن سقوط نظام بشار الأسد شكّل بدوره ضربة إضافيّة لمحور الممانعة، بعدما كان يشكّل رافعة سياسية وجغرافية أساسية لـ"حزب الله".وتابع مراد أن البيان الرئاسي والبيان الوزاري للحكومة الجديدة تضمّنا خطابا سياديا واضحا، أكّد التوجّه نحو حصر السلاح بيد الدولة وتعزيز سيادتها، ما مهّد لاحقا لصدور قرارات حكومية في 5 و7 مايو تقضي بنزع سلاح جميع الميليشيات وفرض سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. كما أشار إلى أن الحكومة تبنّت، في 9 سبتمبر، خطة الجيش اللبناني لحصر السلاح وتعزيز سلطة الدولة.أما أمنياً فلفت مراد إلى أن سقوط نحو 400 قتيل من "حزب الله" خلال عام 2025، واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتصاعدها، واغتيال شخصيات بارزة، بينها هيثم طبطبائي، يؤكّد أن الحرب لم تنتهِ فعلياً، وإن تغيّرت أدواتها، مشدداً على أن غياب الرد يعكس خسارة الحزب في الميدان وفي السياسة على حد سواء.وختم مراد بالتأكيد على أنّ الملف اليوم في حالة جمود، بانتظار تبلور قرارات الدول الكبرى، خصوصا الولايات المتحدة وأوروبا وعدد من الدول العربية، معتبرا أن الاتجاهات الكبرى لما سيشهده لبنان ستتضح أكثر خلال عام 2026.(المشهد - لبنان)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
