يشكل إلغاء قانون قيصر تحولا استراتيجيا في مقاربة الملف السوري لا بوصفه قرارا تقنيا مرتبطا بالعقوبات فقط بل كاشف عن إعادة صياغة أشمل لأدوات التأثير الدولي في سوريا. وهذا التحول يعكس انتقالا مدروسا من سياسة الضغط الأقصى التي استنفدت أغراضها إلى مقاربة إدارة التوازنات عبر الاقتصاد والسياسة التدريجية. وفي هذا السياق لا يمكن فصل القرار عن المتغيرات البنيوية في الإقليم ولا عن إدراك متزايد لدى القوى الدولية بأن استمرار إدارة الأزمة السورية بالأدوات القديمة لم يعد يحقق الاستقرار ولا يخدم المصالح بعيدة المدى.
ومن الزاوية الاستراتيجية يكتسب قانون قيصر دلالته الأساسية من كونه صمم لاستهداف نظام الأسد السابق باعتباره منظومة حكم وأمن أدارت الصراع وارتبطت بعزلة دولية عميقة. والقانون لم يكن موجها ضد سوريا كدولة ولا ضد النظام السياسي القائم حاليا بقيادة الرئيس أحمد الشرع الذي تسلم بلدا منهكا واقتصادا مدمرا وإرثا ثقيلا من العقوبات صيغ لمرحلة سياسية مختلفة. والخلط بين النظامين أدى إلى تعطيل أي أفق لإعادة الاستقرار، وحول العقوبات من أداة ضغط سياسي محددة الهدف إلى عامل تفكيك اجتماعي واقتصادي واسع.
وخلال سنوات تطبيقه لعب قانون قيصر دور أداة خنق استراتيجي عبر عزل سوريا عن النظام المالي العالمي وتعطيل إعادة الإعمار، ومنع تدفق الاستثمارات حتى من الدوائر غير المعادية سياسيا. ورغم ذلك لم يحقق القانون هدفه المركزي المتمثل في دفع نظام الأسد السابق إلى تغيير سلوكه أو القبول بتسوية سياسية وفق الشروط الغربية. بل أنتج نتائج عكسية تمثلت في تعميق اقتصاد الظل وتوسيع شبكات التهريب وتعزيز الارتهان لمحاور غير غربية، مما افقد العقوبات فعاليتها الاستراتيجية مع مرور الوقت.
وإلغاء القانون في هذا التوقيت يعكس إدراكا دوليا بأن استمرار الضغط الاقتصادي الشامل لم يعد أداة قابلة للضبط، وأن كلفته الجيوسياسية باتت أعلى من مكاسبه. فالتدهور الاجتماعي العميق يحمل في طياته مخاطر انفجار داخلي أو موجات هجرة وفوضى عابرة للحدود. كما أن الانفتاح العربي المتدرج على دمشق وعودة سوريا إلى محيطها الإقليمي فرضا واقعا جديدا لم يعد من الممكن تجاهله ضمن الحسابات الأمريكية والغربية.
وفي قلب هذا التحول يبرز الدور الاستراتيجي الإيجابي للمملكة العربية السعودية التي قادت جهدا سياسيا.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة مكة
