برزت مع انطلاقة بطولة افريقيا ظاهرة بائسة، تثير الشفقة أكثر مما تستفز الغضب: أشخاص لا نعرف لهم صفة ولا مهنة ولا رسالة، يتقمصون أدوار الصحافي و المؤثر و المراسل الميداني ، وينزلون إلى الشارع بحثاً عن أجنبي عابر ليسألوه السؤال ذاته، المعلّب، الساذج، الممجوج حتى التخمة:
كيف جاك المغرب؟ هل كنت تتوقعه هكذا؟ ماذا كنت تسمع عنه قبل أن تأتي؟
سؤال لا يحمل فضولاً معرفياً، ولا قيمة صحافية، ولا حتى دهشة إنسانية. سؤال مصنوع فقط لإنتاج فيديو رخيص، يُطعم به وهم الاعتراف الخارجي ، وكأن المغرب لا يُرى ولا يُقاس ولا يُفهم إلا بعين السائح المندهش ولسان الأجنبي المستغرب.
هؤلاء يتصرفون وكأن المغرب اكتشاف جغرافي حديث، وكأن العالم لم يسمع به إلا أمس، وكأن خمسة عشر مليون سائح يزورونه سنوياً يأتون بدافع الصدفة أو الخطأ في العنوان. ينسون أو يتناسون أن المغرب ليس في حاجة إلى شهادة حسن سلوك من سائح قضى فيه ثلاثة أيام، ولا إلى صك اعتراف من يوتيوبر يحمل كاميرا وهاتفاً وابتسامة مصطنعة.
الأدهى من السؤال هو العقلية التي تقف خلفه: عقلية الدونية، والبحث المرضي عن التزكية الخارجية، وكأننا لا نطمئن إلى ذواتنا إلا إذا قال الآخر واو .
وكأن قيمة البلد تُقاس بمدى مفاجأة الأجنبي، لا بعمق تاريخه، ولا بتعقيد واقعه، ولا بتناقضاته الاجتماعية، ولا بتحدياته الحقيقية.
هذا ليس عملاً صحافياً، لأن الصحافة سؤال ذكي، سياق، تحليل، وربط بين الوقائع.
وليس تأثيراً، لأن التأثير مسؤولية ورؤية، لا تسول إعجابات.
وهو بالتأكيد ليس تواصلاً ثقافياً، لأن الثقافة لا تُختزل في انبهار سائح بكسكس أو زليج أو شاي بالنعناع.
إنها بلادة فكرية مغلّفة بابتسامة، وفراغ معرفي مغطّى بضجيج رقمي.
بدل أن نسأل الأجنبي كيف وجد المغرب، كان الأجدر أن نسأل أنفسنا:
لماذا نحتاج دائماً لمن يقول لنا إننا جميلون؟
ولماذا نخاف من النظر إلى صورتنا دون مرآة الآخر؟
المغرب لا يحتاج إلى هذه الفيديوهات.
المغرب يحتاج إلى نقد جريء، ونقاش صريح، وسردٍ يحترم العقل، لا إلى أسئلة سياحية تصلح فقط لملء الفراغ وتدوير التفاهة.
أوقفوا هذه البلادة.
فالأوطان لا تُبنى بسؤال سخيف، ولا تُحترم بتصفيق عابر.
هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى
