الناخبون في العاصمة غضبوا من رئيس الحكومة لأن حزبه يرأس جهة وجماعة وأغلبية مقاطعات العاصمة، وقد ترشح لخوض انتخابات مجلس النواب بدائرة المحيط ليتنافس مع زعيمين لحزبين، منهما سفير ووزير لعدة قطاعات، وكان من الطبيعي أن يهتم الرأي العام الوطني والإعلام الدولي بهذه الدائرة، خصوصا وأن الحزب الحاكم وطنيا بأغلبية برلمانية وجهوية وجماعية، متحكم في الحكم المحلي في الرباط، ومتمكن من قواعده بنفس الدائرة التي انتشلته من المعارضة في استحقاقات 2011 ورفعته إلى سدة التدبير والتسيير، ثم جددت ثقتها أو منحته فرصة ثانية في استحقاقات 2016، وكانت هذه الفرصة استثنائية من الناخبين أنهوها بسحب هذه الثقة في سنة 2021 من الحزب الأغلبي، وفي مقدمتهم زعيمه رئيس الحكومة ومن معه في المنافسة الانتخابية من الزعماء الحزبيين.
ففي العاصمة السياسية، يبدو الأمر عاديا، لطبيعة ميول الناخبين إلى التغيير لاكتشاف الأفضل والأحسن، ولإطفاء شرارة الحريق التي تندلع عادة في عربة الحاكمين خلال السنة الرابعة لسلطاتهم، وقد تخطاها ولأول مرة حزب المصباح ، والمصباح كما نعلم طاقته محدودة ومعرض للاحتراق ، والواقع أن الخرجات غير المحسوبة في لقاءات زعيمه مع أعضاء حزبه وتصريحاته وجولاته الأسبوعية، ربما لم تكن موفقة عندما كان معتمدا على التواصل الشفهي مع منخرطيه مبشرا تارة بعودة مضمونة إلى مراكز القرار، ومحذرا تارة أخرى من التماسيح والعفاريت، وأشياء أخرى، لما وصفه بـ العرقلة ، وكان من الممكن أن يأتي بالجديد الملائم للعصر، وهذا بالضبط ما تجدد مع الحزب الفائز في انتخابات 2021، والذي له باع طويل وعريض في الشأن الحكومي والبلدي قبل الجماعي، فتسلم نفس السلطات مستفيدا من غضب الناخبين على سلفه وتعطشهم لتحديث الممارسة السلطوية بصفة عامة.
نعم؛ لم يقيّم ولا قوّم التحديات التي تنتظره، ولا اعتبر ظروف هذا التسليم، وكانت من أخطر ما مر في المملكة، وتحتاج إلى فترة من العلاج النفسي بعد الصحي من مخلفات وباء كوفيد ، وبعدما قفز من هذا العلاج، لم ينتبه لمرحلة النقاهة ، فوجد نفسه أمام غول التضخم الذي أتى على الأخضر واليابس، وهكذا وبالرغم من مشاركته الحكومية المسترسلة لمدة عقود، وهبوطه لفترات محدودة إلى دار المعارضة للتربية والتصحيح ، لم يستلهم منها الدور الواجب عليه كقائد لأغلبية لأول مرة تكتسح البرلمان والجهات والجماعات، ويتربع على رئاسة الحكومة وعلى رئاسات المجالس المنتخبة، بعدما آلت إليه من المطاح به في الانتخابات، فكانت نشوة الانتصار وقودا لدوران محرك قوة السخاء بالوعود والالتزام بالتغيير نحو الأفضل، بل ومحو كل أثار السياسة التي نهجها المطرود بالانتخابات، وكانت تلك الوعود تهطل بغزارة في التجمعات الدورية وتختتم بفيضانات من الولائم الفاخرة إكراما ومشاركة لـ الطعام مع المدعوين وكأنها عهد على الطريقة المغربية: بِينَاتْنا الطعام .. حتى لاحت بوادر أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية، وكلما تم تخدير أزمة إلا واندلعت أخرى أقسى من النائمة،
ونستحضر هنا والوقائع مماثلة، ما مر منها أمام المغاربة، عندما غضبت العاصمة من رئيس الحكومة وزعيم حزبه السابق، وقهقرته إلى الصف الخامس كما قهقرت غيره من المسؤولين المحليين، فغادر السلطتين المركزية والحزبية، ولا ندري ماذا تخبئ أكادير لرئيس جماعتها، ولا الناخبون المغاربة للحزب الحاكم، لأن انتخابات بدون مفاجآت ليست انتخابات.
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الأسبوع الصحفي

