يعاني المواطن الجزائري منذ سنوات من أزمات متلاحقة، تبدأ بندرة الماء الصالح للشرب ولا تنتهي عند نقص الحليب والدواء، وهي اختلالات قد يسعى البعض إلى تبريرها، ولو بتفسيرات واهية. غير أن بلوغ الأمور حد التلويح بقطع الكهرباء والغاز عن المواطنين في بلد يصنَّف من كبار منتجي النفط والغاز في العالم، يظل أمرا صادما ومثيرا للاستغراب.
الخبر ليس إشاعة ولا مبالغة، بل أكدته وسائل إعلام جزائرية رسمية، غير أن المفارقة المؤلمة تكمن في أن كرة القدم بدت، في هذا المشهد، أكثر رأفة بالمواطن من دولته. فبمناسبة مشاركة المنتخب الجزائري في كأس الأمم الإفريقية التي تحتضنها المغرب، تحولت الكرة إلى وسيلة إنقاذ مؤقتة للفقراء، وجنّبتهم، ولو مؤقتا، شبح الظلام والبرد في عز الشتاء.
فقد أعلنت وزارة الطاقة والطاقات المتجددة في الجزائر عن تعليمات صادرة عن الوزير الوصي إلى شركة سونلغاز ، تقضي بتعليق عمليات قطع الكهرباء والغاز عن المواطنين المتأخرين في أداء فواتيرهم، طيلة فترة مشاركة المنتخب الوطني في المنافسة القارية. وأوضحت الوزارة، عبر مسؤولي التواصل، أن هذا القرار يندرج في إطار دعم المشاركات الرياضية الجزائرية داخل الوطن وخارجه، وضمان حق المواطن في متابعة مباريات المنتخب وتشجيعه.
غير أن هذا الإجراء، الذي قُدّم في قالب اجتماعي وإنساني، يكشف في العمق عن واقعين صادمين. أولهما أن الدولة الجزائرية، رغم ثرواتها الطاقية الهائلة، لا تضمن لمواطنيها، أو على الأقل لفئات واسعة منهم، الولوج الدائم إلى الكهرباء والغاز كحق أساسي. أما الواقع الثاني، فيتمثل في وجود آلاف الأسر التي تعيش أوضاعا اجتماعية قاسية، إلى درجة العجز عن تسديد فواتير الطاقة، ما يجعلها مهددة بالعيش في الظلام وبدون تدفئة.
وهكذا، لم يكن القرار سوى مسكّن ظرفي ارتبط بموعد كروي، ليطرح من جديد سؤال العدالة الاجتماعية وتدبير الثروة في بلد غني بموارده، فقير في سياساته الاجتماعية، حيث يصبح حدث رياضي عابر سببا في تعليق إجراءات كان يفترض ألا تُطرح أصلا في دولة يفترض أنها تملك من الإمكانيات ما يضمن كرامة مواطنيها على مدار السنة، لا فقط خلال تسعين دقيقة من كرة القدم.
هذا المحتوى مقدم من وكالة الأنباء المغربية
