حسمت المحكمة الدستورية، الجدل القانوني والسياسي الذي رافق التعديلات الأخيرة على قوانين الانتخابات، بعدما صرحت بعدم وجود أي مقتضيات مخالفة للدستور في القانونين التنظيميين المتعلقين بمجلس النواب وبالأحزاب السياسية.
وجاء هذا الحسم من خلال قرارين حديثين، أنهيا نقاشا واسعا أثارته التعديلات المصادق عليها داخل البرلمان بغرفتيه خلال الفترة الماضية، بين مكونات الأغلبية والمعارضة.
وفي هذا السياق، أكدت المحكمة الدستورية أن القانون التنظيمي رقم 53.25، القاضي بتغيير القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، والقانون التنظيمي رقم 54.25، القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، يستجيبان للضوابط الدستورية ولا يتضمنان ما يمس بمبادئ الدستور أو أحكامه الأساسية.
وبخصوص القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، أبرزت المحكمة في قرارها رقم 259/25، أن مختلف التعديلات المدخلة عليه تكتسي صبغة قانون تنظيمي، طبقا لأحكام الفصل 62 من الدستور.
وأوضح قرار المحكمة الدستورية أن المقتضيات الجديدة، ولا سيما تلك الواردة في المادة السادسة، والمتعلقة بالمنع المؤقت من الترشح للعضوية في مجلس النواب بالنسبة للأشخاص المتابعين في حالة تلبس بارتكاب جنايات أو بعض الجنح خلال الحملة الانتخابية، تندرج في إطار حماية نزاهة وشفافية العملية الانتخابية.
واعتبرت المحكمة أن هذا المنع المؤقت جاء منسجما، من جهة، مع ما يقره الدستور من عقوبات يحددها القانون في حال الإخلال بقواعد النزاهة والصدق الانتخابي، ومن جهة ثانية، مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في الفصل الأول من الدستور، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين سبق عزلهم من مسؤوليات انتدابية، مشددة على أن هذه المقتضيات لا تمس بقرينة البراءة ولا بضمانات المحاكمة العادلة، التي تظل محفوظة أمام القضاء الزجري، ولا تشكل انتقاصا من الحقوق السياسية لباقي المواطنين .
في هذا الصدد، أكدت المحكمة أن شروط القابلية للانتخاب تندرج ضمن التنظيم التشريعي للحقوق السياسية، ما يخول للمشرع، في حدود احترام الدستور، تحديد موانع الترشح حماية لصدق ونزاهة العملية الانتخابية، حتى دون اشتراط صدور حكم نهائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، متى تعلق الأمر بحالات تثير عدم الاطمئنان إلى سلامة الاقتراع في مختلف مراحله.
وفي السياق ذاته، اعتبرت أن الجزاء المتمثل في رفع مانع الأهلية عن الأشخاص الذين صدر في حقهم حكم نهائي بالعزل من مسؤولية انتدابية، بعد انصرام ولايتين انتدابيتين كاملتين، يظل متناسبا مع الغايات الدستورية المتوخاة، ولا يتجاوز حدود المعقولية والتناسب.
وتناول قرار المحكمة، مجموعة واسعة من المواد، من بينها المواد 38 و39 و40 و41 و42 و43 و45 و46 و48 و49 و50 و51 و52 و53 و54 و55 و56 و57 و58 و59 و62 و63 و64 و65 و66 و67 و68 و69، والتي همت تشديد العقوبات، واستحداث جرائم انتخابية جديدة، وإعادة تكييف بعض الأفعال من جنح إلى جنايات، مع التنصيص على عدم إمكانية الحكم بالعقوبات البديلة في بعض الجنح المرتكبة بمناسبة الانتخابات. وخلصت المحكمة إلى أن هذه المقتضيات لا تخالف الدستور، لكونها تهدف إلى تعزيز الردع وحماية العملية الانتخابية.
وبخصوص المادة 51 مكررة، التي أثارت نقاشا واسعا بسبب ارتباطها بحرية التعبير، أوضحت المحكمة أن العقوبات المقررة بشأن توزيع أقوال أو بث وقائع كاذبة دون موافقة أصحابها مبررة بغاية مشروعة، وتحترم مبدأي الضرورة والتناسب. كما أكدت أن هذه المادة لم تمس بحرية الصحافة المكفولة دستوريا، ولا بالعمل الصحافي المهني المشروع القائم على حسن النية والتحقق من المعلومات.
أما فيما يتعلق بالقانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، فقد أكدت المحكمة الدستورية في قرارها رقم 260/25، أن التعديلات المدخلة عليه تكتسي بدورها صبغة قانون تنظيمي، معتبرة أن المادة السادسة التي أقرت شروطا جديدة بخصوص ملف تأسيس الأحزاب، جاءت منسجمة مع مقتضيات الفصل السابع من الدستور، وساهمت في تدقيق مسطرة وشكليات تأسيس الأحزاب السياسية.
إلى جانب هذا، صادقت المحكمة على التعديلات الواردة في المادة 23، المتعلقة بمنع فئات معينة، من بينها الأطر والموظفون التابعون لوزارة الداخلية المزاولون فعليا، من ممارسة بعض الأنشطة الحزبية، معتبرة أن ذلك ينسجم مع مبدأ الحياد التام للسلطات العمومية إزاء المترشحين، وعدم التمييز بينهم، كما هو منصوص عليه دستوريا.
وفي ما يخص المادة 31، المتعلقة بتنويع مصادر تمويل الأحزاب السياسية، أوضحت المحكمة أن تمكين الأحزاب من موارد إضافية، سواء عبر التمويل الذاتي أو القروض أو إحداث شركات ومؤسسات، يهدف إلى دعم قيامها بوظائفها الدستورية في إطار الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، واحترام المبادئ الديمقراطية في تسييرها وتنظيمها، دون أن يشكل ذلك أي تعارض مع الدستور.
وبهذه القرارات، تكون المحكمة الدستورية قد وضعت إطارا دستوريا واضحا للتعديلات الجديدة على قوانين الانتخابات والأحزاب، مؤكدة أن تعزيز نزاهة العملية الانتخابية وتقوية الثقة في المؤسسات التمثيلية يظل في صلب الاختيارات الدستورية للمملكة.
هذا المحتوى مقدم من بلادنا 24
