جدل كبير أثاره مشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة الذي أحالته الأمانة العامة للحكومة على الوزراء والوزراء المنتدبين و كتاب الدولة تمهيدا لعرضه على مجلس الحكومة قصد المصادقة. و بقراءة بسيطة لمضامينه و بالنظر للكواليس التي رافقت إعداد هذا المشروع يتضح أن الأمر يتعلق بمحاولة أخرى لاستهداف المحاماة على عدة مستويات يبقى أبرزها إثنان:
-المستوى الأول معنوي و يتجسد بشكل جلي في محاولة واضحة للمس باستقلال المحاماة و حصانتها. و هكذا فقد منح المشروع وزارة العدل صلاحيات كثيرة لم تكن متوفرة في القانون الحالي. فبعدما كانت هاته الأخيرة لا تتدخل إلا في تنظيم امتحان المحاماة و منح شهادة الأهلية للناجحين فيه، ستصبح وزارة العدل في حالة إقرار المشروع تتدخل في كل صغيرة و كبيرة تتعلق بالمحامين من إعلان المباراة إلى الإشراف على التكوين طيلة المدة الفاصلة بين النجاح في المباراة إلى التسجيل في جدول إحدى الهيئات بعد أداء واجب انخراط تحدده الوزارة أيضا، زيادة على بسط الرقابة على جداول المحامين بمختلف الهيئات بشكل سنوي، و اشتراط تبليغها بأي عقوبة تأديبية في حق أي محام. هذا من جهة.
و من جهة ثانية، فقد توسعت صلاحيات تدخل النيابة العامة بشكل كبير حيث أصبح من حقها لأول مرة في تاريخ المحاماة متابعة المحامي تأديبيا في أكثر من مناسبة عوض اقتصار صلاحياتها على الطعن في قرارات النقيب و المجلس زيادة على منحها لأول مرة أيضا صلاحية تنفيذ مقررات الإيقاف عن ممارسة المهنة.
أما على مستوى الحصانة فإنه و عوض مسايرة نسق الدستور الذي أقر لأول مرة بدسترة حق الدفاع في المادة 120 منه و هو أمر لا يمكن ضمانه إلا بالاستعانة بمحام فإن مشروع قانون المهنة جاء معاكسا لهذا النسق. إذ كان المأمول هو توسيع نطاق الحصانة لتمكين المحامي من ضمان استفادة المتقاضي من حق الدفاع بصورة أفضل عوض لجم لسانه و شل حركاته و التحكم في نبرات صوته، فقد تم تضييقه إلى أبعد الحدود مع منح الوكيل العام للملك في حالة تحرير محضر بالجلسة يشير إلى احتمال وجود أي إخلال صادر عن المحامي بمناسبة المرافعة أو الكتابة صلاحية إحالة الملف على غرفة المشورة. أي أن الوكيل العام أصبح يملك حق متابعة المحام إذا ارتأى النقيب أو المجلس أن المحامي لم يرتكب أي إخلال. فما الفائدة من الحصانة إذا أصبح أي فعل أو حركة أو قول قابلا لتكييفه كمخالفة تستوجب التأديب؟ كما نص المشروع أيضا على أن إشعار النقيب باعتقال محام أو وضعه تحت الحراسة النظرية لا يكون إلا بعد القيام بهذين الإجراءين الماسين بالحرية عكس ما هو منصوص عليه في القانون الحالي حيث يكون الإشعار قبليا. كما أن الإشعار سيصبح لنقيب الهيئة الذي يعتقل في دائرتها المحامي عكس القانون الحالي الذي يتحدث عن نقيب الهيئة التي ينتسب لها المحامي.و هنا يتأكد أن وزارة العدل سارت عكس منحى مطالب المحامين المستمرة منذ عقود بتوسيع هامش الحصانة.
-المستوى الثاني و هو مادي بحث. فبعد الهجمة الضريبية التي تم شنها على المحامين بمقتضى قانون المالية لسنة 2023 و ما خلفته من مشاكل لعدد كبير من المحامين تعدت آثارها السلبية إلى جيوب المتقاضين فإن وزارة العدل من خلال مشروع القانون الجديد أرادت أن تقلص مجالات عمل المحامين بشكل كبير من خلال حذف مجموعة من المساطر التي لم يكن ممكنا مباشرة التقاضي بشأنها إلا بواسطة محام . لكن إذا تمت المصادقة على هذا المشروع سيصبح التقاضي بشأنها شخصيا مع ما يمكن أن يخلفه ذلك من مشاكل جمة للمتقاضين لعدم قدرتهم على ممارسة حق التقاضي شخصيا و إرهاقكم بمصاريف قضائية متكررة نتيجة الأحكام المنتظرة بعدم القبول لعدم ضبطهم لشكليات المسطرة ناهيك عن جعلهم فريسة سهلة للسماسرة و ما يمكن أن يخلفه الأمر على صورة العدالة و منسوب الثقة فيها . و في مقابل التقليص من مجالات العمل سيتم فسح المجال للمحامين الأجانب و المحامين المغاربة الممارسين بدول أجنبية لممارسة المحاماة في المغرب بصيغ و مسميات مختلفة . و هو ما سيشكل ضربة أخرى الغرض منها هو إرهاق المحامين ماديا.
خلاصة القول إن هذا المشروع لم يأت لإصلاح المهنة أو تطويرها لجعلها قادرة على مواكبة التطور الذي يعرفه المجتمع أو من أجل تحصين حق الدفاع و تقوية ضمانات المحاكمة العادلة مسايرة للدستور بل جاء لكسر شوكة المحامين التي ظلت عصية على الكسر لعقود من الزمن. لكنها لن تنكسر، لن تنكسر و لن تنكسر.
هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى
