مشهد إنساني يتجاوز الحدود حين انتصرت القيم على الشعارات

بقلم: أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في زمنٍ تتكاثر فيه الخطابات المتشنجة، وتُبنى الجدران الوهمية بين الشعوب، يمرّ أحيانًا مشهد بسيط، عفوي، لكنه كفيل بأن يختصر الحقيقة كلّها ويضعها أمام الجميع دون خطابة أو ضجيج.

اليوم ( الاربعاء 24 دجنبر 2925 )، أمام ملعب مولاي الحسن، لم يكن الحدث مجرد مباراة رياضية، بل لحظة إنسانية صادقة. فتاة جزائرية من ذوي الاحتياجات الخاصة، جاءت كمشجعة، تحمل حبها لكرة القدم قبل أي اعتبار آخر، وترفع علم بلادها الجزائر، وجدت نفسها أمام صعوبة الولوج إلى الملعب. لم تُسأل عن جنسيتها، ولا عن الراية التي تحملها، ولا عن أي خلفية سياسية أو شعارات تُرفع هنا أو هناك. ما حدث كان أبسط وأعمق في آنٍ واحد.

كولونيل من القوات المساعدة المغربية، رفقة عناصر من فريقه، بادروا بمسؤولية وإنسانية عالية إلى مساعدتها، ميسّرين دخولها إلى الملعب، محافظين على كرامتها، ومؤكدين أن الواجب الإنساني لا يعرف حدودًا ولا يخضع للحسابات الضيقة. مشهد عابر في الزمن، لكنه عميق الدلالة.

هذا المشهد لم يكن استثناءً، بل تعبيرًا عن ثقافة متجذرة في المغرب، ثقافة تعتبر الإنسان أولًا، وتضع الكرامة فوق كل اعتبار. في لحظة واحدة، سقطت كل الصور النمطية التي تُسوَّق، وكل الروايات التي تُبنى على التخويف والعداء المصطنع.

وإذا كان هذا المشهد العفوي كافيًا في حدّ ذاته ليحمل كل هذه الدلالات، فإنه لا ينفصل عن سياق أوسع وثابت. فالمغاربة، شعبًا وقيادة، يفعلون الخير بطبعهم، ويكنّون محبة صادقة للشعب الجزائري، ملكًا وشعبًا. ولم يمرّ خطاب واحد لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، إلا وجدد فيه الدعوة إلى مدّ اليد، وتغليب منطق الأخوّة والحوار، بعيدًا عن أي حسابات ضيقة أو مواقف متشنجة.

وما وقع اليوم أمام ملعب مولاي الحسن يُغني عن كل تفسير أو تبرير، خصوصًا أنه صدر عن جهاز رسمي من أجهزة الدولة المغربية، في موقف عملي يجسّد القيم قبل الشعارات، ويؤكد أن الإنسانية في المغرب ليست خطابًا موسميًا، بل ممارسة راسخة.

والرسالة هنا لا تحتاج إلى تصريح مباشر. فهي موجّهة، بهدوء، إلى من يصرّ على تغذية القطيعة، وإلى من يختزل العلاقات بين الشعوب في منطق العسكرة والعداء. الشعوب المغاربية لم تكن يومًا عدوة لبعضها، ولم تحتج يومًا إلى إذن كي تتعاطف أو تتضامن.

في النهاية، قد تُغلق الحدود، وقد تُرفع الشعارات، لكن القيم الإنسانية تظلّ أقوى. ومشهد اليوم في ملعب مولاي الحسن كان تذكيرًا بسيطًا وعميقًا في آن واحد: الإنسان ينتصر دائمًا مهما حاولت السياسة أن تُخفي ذلك.


هذا المحتوى مقدم من جريدة أكادير24

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جريدة أكادير24

منذ 8 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ 8 ساعات
منذ 11 ساعة
هسبريس منذ 8 ساعات
وكالة الأنباء المغربية منذ 14 ساعة
2M.ma منذ 11 ساعة
هسبريس منذ 8 ساعات
هسبريس منذ 6 ساعات
صحيفة الأسبوع الصحفي منذ 5 ساعات
موقع بالواضح منذ 8 ساعات
هسبريس منذ 11 ساعة