الواقع خارج شرنقة العزلة

من الخطأ أن نسلم ونحن نتفاعل مع كل ما يعرض على وسائل التواصل الاجتماعي على أنه حقيقة ثابتة، ففي الكثير منه تكمن المغالطات، تتعدد بمحتواه الكثير من الأكاذيب التي تكفي لقارة لا بلد طيب كمصرنا العزيزة، أقول هذا من خلال تجربة شخصية بسيطة كنت أنا بطلتها لدقائق معدودة، ولا شك أن هناك من عاش مثلي تجربته الخاصة جعله يؤكد أن الخير فينا باق، وأن الإنسانية ما زالت موجودة بيننا، حاضرة وقائمة.

شرنقة العزلة تفرض علينا نفسها، تدخلنا متاهتها وهى تتداول حديثها عبر شاشات صماء لا يعني أن ما يسرد فيها هو الصدق بذاته، أو أن الواقع أليم بهذا السوء وبهذه الصورة البشعة التي يروج لها ذوي المصالح الرخيصة والأنفس الخبيثة التي لا يشغلها سوى تصدير صورة ذهنية مغلوطة تضج بالقسوة والفوضى، تبعث على اليأس ثم تصوغه، تقدمه بخلطتها السوداوية، تعكسها بصورة قاتمة لا تمت للواقع بصلة.

كنت في يوم قريب أستقل إحدى وسائل المواصلات العامة، المكان مزدحم والأمل في الجلوس شبه مستحيل في تصوري وسط جمع غفير من الركاب، وبمجرد دخولي وجدت شابًا مهذبًا تنطق بذلك ملامحه وصورته المثالية، كان جالسًا إلى جانب والدته التي همس إليها وهو ينظر نحوي برفق، قام من بعدها ليدعوني أن أجلس مكانه، أدركت حينها أنه كان يخبرها بلا شك بضرورة إقدامه على تلك الخطوة من أجلي، قد يكون الأمر عاديًا أو منتظرًا لكننا الآن نحيا في زمن غير الزمن، حيث وطدت لوضعها الأنانية وجعلت من المشهد البسيط مشهدًا معقدًا مركبًا وربما مستحيلًا.

لفت نظري موقف آخر عندما وقفت إحدى السيدات وهى تحمل طفلها تتحدث عيناها وترجو أن يشعر بمعاناتها أحد الجالسين فإذا برجل طيب تبدو عليه علامات الصلاح يشير إليها ويدعوها لتجلس مكانه وهو مبتسم غير ساخط فالرحمة التي حركته هي الضامن الذي استودع به عمله عند الله لعله يجعله في ميزان حسناته.

كاد قلبي حينها أن يرقص فرحًا فالحكاية التي تبدو بسيطة تغير القاعدة السائدة وتقلبها رأسًا على عقب، تقلب الطاولة أيضًا على من تشدقوا بأن المجتمع لم يعد به خير يذكر وبأن عاداته وتقاليده التي سبقت رحلت وغادرت بغير عودة.

بارك الله في كل إنسان عرف الإنسانية على حقيقتها، مارسها بنفسه أو التقط لها صورًا إيجابية تبعث بالنفس الأمل وتبرهن على أن الخير ما زال موجودًا وقائمًا، وبأن الإيثار لم يزل يجدد عهده كلما اشتدت الظلمة وغاب عن سماء عالمنا البدر.

الوعي الحقيقي يكمن في عدم اتباع كل قافلة تسير وتنفض في وجوهنا غبار طريقها الوعرة، فأغلبها يود أن لو سادت الفوضى، الوعي ثم الوعي ثم الوعي هو مفتاح بصائرنا وزاد رحلتنا في الأيام القادمة.


هذا المحتوى مقدم من بوابة دار الهلال

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من بوابة دار الهلال

منذ 46 دقيقة
منذ 46 دقيقة
منذ 45 دقيقة
منذ ساعة
منذ 46 دقيقة
منذ 47 دقيقة
صحيفة المصري اليوم منذ 10 ساعات
صحيفة الوطن المصرية منذ 23 ساعة
صحيفة اليوم السابع منذ 6 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 18 ساعة
صحيفة الوطن المصرية منذ 13 ساعة
صحيفة المصري اليوم منذ 19 ساعة
موقع صدى البلد منذ 6 ساعات
صحيفة اليوم السابع منذ ساعتين