المنبر الحر | صرخة ضد السياسات التي تبدع في صناعة الأزمات

عادت قضية الأستاذة نزهة مجدي إلى الواجهة من جديد، بعد تأييد الحكم عليها بثلاثة أشهر حبسا نافذا، وذلك عقب مرور ثلاث سنوات على انطلاق شرارة ملفها المرتبط بمطالبتها بحقها العادل في الاستقرار الوظيفي والإدماج في سلك الوظيفة العمومية، جنبا إلى جنب مع كوكبة من الأساتذة والأستاذات الذين فُرض عليهم التعاقد ، وذلك إسوة بموظفي وزارة التربية الوطنية.

إن استهداف الأستاذة مجدي في هذه الظرفية بالذات، وتنفيذ القرار الجائر القاضي باعتقالها، ليس مجرد إجراء قانوني معزول، بل هو في جوهره استهداف صريح للمدرسة العمومية وللشغيلة التعليمية قاطبة، وهي التي ترابط على ثغور التربية لإعداد أطر المستقبل. إنه قرار انتقامي يشي لنا بأن الجهات المحركة لهذا الملف لا تستحضر مصلحة التلاميذ، بل تساهم بوعي أو بدونه في صناعة احتقان اجتماعي وتعليمي بشكل تعسفي وبطريقة اعتباطية، متجاهلة التبعات السلبية على الموسم الدراسي، خاصة والأطر التربوية تبذل مجهودات مضاعفة في ظروف قاسية لتأهيل التلاميذ للامتحانات الإشهادية، وعلى رأسها الامتحانات لنيل شهادة الباكالوريا.

هذه الخطوة التي أقدمت عليها الجهات المسؤولة عن هذا الاعتقال، لا تمس شخص الأستاذة فحسب، بل تمثل ضربة موجعة لرمزية الأستاذ في المغرب، فلم تكن الأستاذة نزهة في وضعية تهدد أمن واستقرار المجتمع، بل كانت تمارس حقا دستوريا مشروعا في التعبير عن الرأي والمطالبة بالإدماج في سلك الوظيفة العمومية، وذلك ضمن مسيرات سلمية حضارية نأت بنفسها عن كل أشكال العنف أو التخريب.

ولا يمكن وصف قرار الاعتقال الذي نفذ في حقها إلا بكونه قرارا متسرعا وظالما ، وضع الوزارة الوصية وشعارات الدولة في تناقض صارخ مع مقولة مصلحة المتعلم فوق كل اعتبار ؛ فها هو المتعلم اليوم يُحرم من مُدرّسته، ويتعلم درسا قاسيا من واقع ألم أستاذته- مفاده أن المقاربة الأمنية مقدّمة على المقاربة الحقوقية، وأن منطق القوة يرجّح في وطنه على قوة المنطق ؛ فكيف يُعقل أن يُلقى بمن خرج دفاعا عن المدرسة العمومية في السجن ؟

إن من صنع الأزمة هو نفسه الذي يتمادى اليوم في تأزيم العوائل، سعيا لقتل الصوت الحر وتكميم الأفواه والإجهاز على المكتسبات النضالية.

إن هذا الاعتقال هو اعتداء صريح على المكانة الاعتبارية للأستاذ داخل المجتمع، وتضييق واضح على الحريات العامة والنقابية، ولن يؤدي هذا الفعل إلا إلى تعميق القلق والترهيب وتأزيم الواقع التعليمي، مما سيغذي الفعل الاحتجاجي داخل المؤسسات التعليمية وأمام المديريات الإقليمية، رفضا لهذا الترهيب جملة وتفصيلا.

ولعل ما ينبغي التذكير به، هو أن الأستاذة المعتقلة تتعرض اليوم لـ عقوبة ثانية ، أما الأولى، فقد كانت لحظة اعتقالها بالرباط سنة 2021، في مشهد لم يراعِ القيم المغربية الأصيلة التي توقر المرأة وتصون كرامتها، حيث عُوملت بقسوة أمام كاميرات العالم وسط جحافل القوى العمومية.

إن أمام الدولة المغربية اليوم فرصة تاريخية لتصحيح هذا المسار، عبر الإفراج الفوري عن الأستاذة نزهة مجدي بدون قيد أو شرط، وبخلاف ذلك، فإنها تضع نفسها أمام إدانة أخلاقية وسياسية من طرف كل القوى الحية، بسبب سياسات عرجاء تبدع في اختلاق الأزمات بدل تقديم الحلول، وتمعن في التعذيب النفسي لمن هم في الصفوف الأمامية لخدمة هذا الوطن وناشئته.

فالأستاذ لا يشكل خطرا على أحد، بل هو صمام أمان لمجتمع يئن تحت وطأة الفقر والغلاء وتجريف القيم، والخطر الحقيقي يكمن في الجهل، وهدر المال العام، وصناعة المآسي، وقمع الاحتجاج السلمي، وعدم مساءلة من يعيثون في الأرض إهمالا وفسادا، تسييرا وتدبيرا، واستهدافا للحق في التعبير الذي يطال اليوم المدونين والصحافيين والخطباء والسياسيين.

إن الهيبة الحقيقية للدولة تستمد قوتها من ضمان حقوق العدالة الاجتماعية والسياسية، وصون كرامة المواطن، وبناء الإنسان، وليست في المقاربات القمعية لإسكات صوته، ولعل من باب المسؤولية التنديد بهذا السلوك ورفض كل ما من شأنه أن يكدر صفو العمل التربوي والتأكيد على ذلك، وتذكير كل من به صمم بأن المكان الطبيعي لنساء ورجال التعليم هو حجرات الدرس داخل مؤسساتهم التعليمية ووسط تلامذتهم، وليس خلف القضبان.


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الأسبوع الصحفي

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الأسبوع الصحفي

منذ 6 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 9 ساعات
موقع بالواضح منذ 5 ساعات
هسبريس منذ 9 ساعات
آش نيوز منذ 7 ساعات
جريدة أكادير24 منذ 9 ساعات
هسبريس منذ 5 ساعات
هسبريس منذ 5 ساعات
آش نيوز منذ 14 ساعة
جريدة أكادير24 منذ 12 ساعة