الوزير بلينكن أشكرك جزيل الشكر على تخصيص الوقت لهذا الحوار، في ظل كل ما يجري في العالم، والمقالة التي كتبتها لعدد نوفمبر (تشرين الثاني) ديسمبر (كانون الأول) من مجلة "فورين أفيرز".
أنتوني بلينكن
شكراً لك دان ويسعدني أن أكون معك.
تبدأ المقالة بالإشارة إلى مدى التنافسية والتعقيد اللذين يتسم بهما العالم اليوم، لذا أود أن أبدأ بتحليلك لهذه اللحظة التي أقل ما يقال عنها أنها شديدة الصعوبة، ولا أتصور أنك عندما تسلمت منصبك قبل أربعة أعوام تقريباً كنت تتخيل أنك بصدد مواجهة حروب كبرى في الشرق الأوسط وأوروبا، وأنك ستشهد مختلف أنواع الاستفزازات التي نراها على نحو شبه يومي من الصينيين في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، وأن تهديدات فلاديمير بوتين النووية الخطرة ستطرق أسماعك وتقض مضاجع الغالبية العظمى من مجتمع الاستخبارات الأميركي في أقل تقدير، ولذلك فكرت قبل الخوض في ردود الفعل والاستجابة السياسية من جانب هذه الإدارة أنه سيكون من المفيد أن نتروّى قليلاً ونتعرف إلى وجهة نظرك في شأن ما أوصلنا إلى هذه الحال خلال الأعوام أو العقود الماضية، فما هي القوى أو القرارات التي تعزى إليها هذه اللحظة المضطربة جداً في الخريطة الجيوسياسية؟
أنتوني بلينكن
دان أعتقد أنه من الجلي أننا على أبواب حقبة جديدة ومرحلة جديدة، فلقد ولى عصر ما بعد الحرب الباردة وثمة منافسة قوية جداً لرسم ملامح المرحلة المقبلة، ولدينا عدد من القوى التعديلية وهي متحدة وإن بطرق مختلفة في الرغبة في ممارسة مجالات نفوذها الخاصة وتكريس حكمها الاستبدادي ورغبتها في إعادة تشكيل النظام الدولي بطرق تحقق مصالحها، سواء كانت إيران أو كوريا الشمالية أو روسيا أو حتى الصين بطرق أخرى، إذ تتصدر جميعها المشهد.
أعتقد أنكم تتمتعون بالسرعة الاستثنائية للتغير التكنولوجي والتي أسهمت أيضاً في هذا، ناهيك عن أنه يتعين عليك أن تنظر إلى ما ورثناه عندما بدأنا، لأنه من السهل الآن ومع مرور الوقت أن ننسى أين كنا، فلقد مررنا بأسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الأعظم، كما مررنا بأسوأ أزمة صحية عالمية منذ 100 عام في الأقل، وكانت لدينا انقسامات ديمقراطية في بلدنا وتحالفات وشراكات متآكلة وشركاء يتطلعون إلى حماية رهاناتهم السياسية بطرق مختلفة، وانطباع سائد في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك من جانب هؤلاء الخصوم الذين كانوا يعيدون ترتيب تحالفاتهم بطرق جديدة، بأن الولايات المتحدة كانت في حال انحدار محتومة.
وأعتقد أنه من السهل نسيان هذا، ومن الأمور التي نعتبرها أمراً مسلماً به أيضاً هو تمكننا من استعادة الولايات المتحدة لدورها القوي، إذ إن الاستثمارات التاريخية في الداخل، سواء من خلال البنى التحتية أو من خلال "قانون الرقائق والعلوم الأميركي" أو من خلال "قانون خفض التضخم"، هي التي أعادت قدرتنا التنافسية، ويمكنك النظر إلى مكانتنا التي نحتلها الآن بصرف النظر عن الأرقام الكلية غير الاعتيادية المتعلقة بالبطالة، وخفض التضخم إلى الحد الذي يجعلنا موضع حسد الاقتصادات الكبرى الأخرى مع ارتفاع دخل الأسر، صحيح أن الناس لا يزالون يعانون لأنهم لا يشعرون بالفائدة بصورة كاملة، ولكن الأمور تسير في هذا الاتجاه.
الاستثمار الأجنبي المباشر والذي أراه أحد أهم التدابير التي نتجاهلها أحياناً في كلا الاتجاهين، فنحن أكبر المتلقين كما أننا أيضاً أكبر المساهمين، وتُظهر هذه العلاقات القائمة على الاستثمار الأجنبي المباشر الاطمئنان والثقة بالمستقبل، ولا يمكن للناس الاستثمار من دون هاتين الركيزتين، كما أنه من شأن ذلك أن يقلل اعتمادنا بصورة كبيرة على الصين على سبيل المثال.
تمكنا من القيام بذلك واستعادة قدرتنا التنافسية، وفي الوقت عينه يمكننا أن نصل إلى مبتغانا عبر إعادة الانضمام وإعادة الاستثمار وإعادة تفعيل تحالفاتنا وشراكاتنا، وحتى إعادة وضع تصورات لها، والنتيجة هي أنه على رغم أننا إزاء عالم يتمتع بتعددية أكبر وتعقيد أكبر وتشابك أكبر بين مختلف التحديات أكثر من أي وقت مضى منذ أن بدأت هذا المعترك على مدى 32 عاماً، لكننا في وضع أقوى بكثير يخولنا التعامل مع هذه التحديات.
دعني أركز على البعد الذي أعتقد أنه الأكثر إثارة للدهشة بالنسبة إلى كثير من الناس، وهو عودة ظهور نوع من الحرب التي بدت وكأنها من بقايا الماضي، فمن الجلي أن هناك بعداً سياسياً لهذا النقاش، بعداً تتداوله ألسنة الناس في عالم ترمب، ولكن إذا تعمقنا قليلاً فيبدو أن هذا بمثابة تغيير ممنهج حقيقي ومسألة سيكافح الأشخاص في منصبك وصناع السياسات في الولايات المتحدة للتعامل معها بصورة عامة في المستقبل.
كيف تفهم هذا التغيير الممنهج؟ وما الذي أعاد في كل من الشرق الأوسط وأوكرانيا ذلك النوع من الحرب التي بدت وكأنها شيء من الماضي لمركز اهتمام السياسة الخارجية الأميركية؟
أنتوني بلينكن
هناك عدد من البلدان التي حسبت لأسباب مختلفة أنه يمكن تقديم مصالحها الخاصة بهذه الطريقة قبل كل شيء، كما سعت إلى التوافق بطرق مختلفة بين بعضها بعضاً واتخذت في الغالب شكل زيجات مصلحة، وإن لم تكن عن قناعة ولكنها زيجات ذات تأثير، وهذا هو نتاج الخيارات التي اتخذتها، لكن دعنا نتناول كلاً من هذه المسائل على حدة، فالعدوان الروسي على أوكرانيا لم يبدأ عام 2022 بل عام 2014، ويعود العدوان الروسي على دول الجوار في محاولة لإعادة خلق روسيا الكبرى أو لخلق مجال تأثير نفوذها لما قبل ذلك بكثير لعام 2008 وحرب جورجيا، وآنذاك كان للولايات المتحدة 200 ألف جندي إما في العراق أو أفغانستان، لذا فقد كنا مقيدين بطرق لم نعد عليها الآن نتيجة لإنهاء الحرب في العراق وإنهاء أطول حرب خاضتها أميركا في أفغانستان، وتحرير مواردنا وتركيزنا.
لكن روسيا كانت داخلة في هذا الجهد منذ أمد وبلغت ذروتها بإعادة غزو أوكرانيا عام 2022، فضلاً عن الصين التي لم تخف باعتقادي أنها كانت مصممة على الهيمنة اقتصادياً على صناعات وتقنيات المستقبل منذ عام 2015، وناهيك عن ذلك فقد شهدنا خلال تلك الفترة ظهور سياسة أكثر عدوانية في الخارج بصورة علنية وأكثر قمعاً في الداخل، لذا أكرر مرة أخرى أن ذلك كان قيد الإعداد منذ أمد طويل.
لا تحدث هذه الأشياء بين عشية وضحاها بل هب عملية تطور تدرجي، ومرة أخرى أعتقد أن هذه البلدان وغيرها كان لديها تصور بأن الولايات المتحدة في حال انحدار عندما تولينا السلطة، وكانت تمضي إلى الأمام قدماً بالاستناد إلى هذا الأساس، وأعتقد أننا تمكنا إلى حد كبير من تفنيد ذاك التصور وتفنيد الحد الذي كان فيه ذلك التصور واقعاً ملموساً على أرض الواقع، فقد كان ردع روسيا واضحاً والأمر نفسه ينطبق على ردع الصين، ولدينا الآن تقارب أكبر بين الحلفاء والشركاء في أوروبا وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ وخارجها حول كيفية التعامل مع روسيا وكيفية التعامل مع الصين أكثر من أي وقت مضى، بقدر ما تسعفني ذاكرتي على الاستحضار.
ينصب التركيز الأساس في مقالة "فورين أفيرز" من نواح كثيرة على هذه المجموعة من البلدان التي يطلق عليها كثيرون "محوراً"، على رغم أنك لم تستخدم هذه الكلمة، أي مجموعة الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وكما أشرت تعكف هذه المجموعة على التعاون بطرق جديدة ومثيرة للقلق، وتسعى بالفعل إلى تغيير بعض المبادئ الأساس للنظام الدولي وتقويض القيادة الأميركية في هذا النظام، وعندما تستشرف المستقبل بعد 15 عاماً، أي بعد فترة طويلة من توليك منصبك هنا في وزارة الخارجية، إذا نجحوا، وإذا رأينا هذا المحور ينجح أو هذا التجمع ينجح، فكيف سيبدو العالم؟ كيف سيبدو العالم الذي يسعون إلى تشكيله؟ وما هي القرارات أو الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها والتي سمحت لهم بالوصول إلى مآربهم؟
أنتوني بلينكن
أعتقد أنه إذا استشرفنا المستقبل وفي حال نجحوا في تحقيق مرادهم فسترى على أقل تقدير إعادة تأكيد لمجالات النفوذ التي تقصي الولايات المتحدة والدول ذات التفكير المماثل، وسترى انقسامات أكبر وتباينات أشد في العالم، وقد نشهد مجازياً ضروباً مختلفة من الستائر الحديدية المُسدلة (أنظمة انعزالية استبدادية)، سواء أكان ذلك يتعلق بالطريقة التي تجري بها معاملة الناس داخل البلدان، أو من حيث التكنولوجيا والطريقة التي يجري استخدامها بين البلدان، كما أعتقد أن هذا ينبئ أيضاً بعالم من الصراعات المحتملة لأنني أعتقد أن ما يعلمنا إياه التاريخ، من جملة أمور أخرى، هو أنه إذا دخلنا في عالم ترسم حدوده مناطق النفوذ حيث يُسمح للدول بمعاملة شعوبها، فضلاً عن معاملة بعضها بعضاً، بطرق معادية لكل ما حاولنا ترسيخه بعد حربين عالميتين للتأكد من عدم نشوب حرب ثالثة، فمن المرجح أنك تتجه نحو عالم من الصراعات، عالم سنظل فيه شئنا أم أبينا مترابطين ببعضنا بعضاً، حيث لا يمكننا ببساطة دس رؤوسنا في الرمال والاعتقاد بأن هذه الأشياء ستحدث من دون أن تمسنا، ومن دون أن نصاب بأذى، وسيلقي ذلك بتداعياته علينا من دون شك.
وبالتالي أعتقد أن التحدي الماثل أمامنا هو أننا، أقله في تقديري، مررنا بفترة من تجديد التزامنا في مختلف أنحاء العالم وتجديد الزعامة الأميركية وتجديد تحالفاتنا وشراكاتنا، ولكن عبر استخدامها بطرق متجددة ومد جسور التواصل بين المسرح الأوروبي الأطلسي ومسرح المحيطين الهندي والهادئ، وبلورة فهم أكبر لحقيقة مفادها أن الأمن كلٌ لا يتجزأ، مما يؤثر في الحلفاء والشركاء في كل هذه المجالات، وأعتقد أنه إذا خسرنا ذلك وتراجعنا، فبدلاً من حماية أنفسنا والنأي بأنفسنا بعيداً من الحروب والصراعات فسنرى مزيداً منها يظهر ومن المحتمل أن ننجر إليها، لذا فإن هذا ما يقلقني في حال تراجعنا عن فترة التجديد هذه، وأعتقد أن الأساس الذي أرسيناه هو يد قوية أورثناها للإدارة المقبلة، وسيتعين عليها أن تقرر كيف ستستخدمها.
دان كيرتز فيلان
هناك كثير من المناقشات على صفحات "فورين أفيرز" حول فكرة تقسيم هذا التحالف، سواء من خلال ما يُعرف بسياسة "انعكاس كيسنجر"، أي تقريب روسيا من الغرب بعيداً من الصين، أو ما يمكن تسميته بـ "انعكاس انعكاس كيسنجر"، حيث يجري إبعاد الصين مجدداً عن روسيا، ولقد أمضيت وقتاً طويلاً في العمل والجلوس في اجتماعات مع نظرائك الصينيين وبعض الاجتماعات مع نظرائك الروس في محاولة لتحقيق هذا الهدف، فما هو تقييمك للخيارات السياسية التي تمتلكها الولايات المتحدة لتحقيق الانقسامات داخل هذا التحالف والتي قد تتحول مع الوقت إلى خلافات حقيقية؟
أنتوني بلينكن
أعتقد أن كثيراً من هذه البلدان اتخذت خياراً وقراراً إيجابياً لم يكن انعكاساً لما قمنا به بقدر ما هو نتيجة لحساباتها لمصالحها الذاتية ونقاط ضعفها، وفي بعض النواحي جمعها ذلك معاً في بوتقة واحدة، ولكن هذا كان في الواقع خياراً إيجابياً وليس استجابة لنا، وأعتقد أن روسيا تسير على مسار من المرجح أن تمضي فيه قدماً، وأظن أنه من المرجح لكوريا الشمالية، نظراً إلى بعض الفوائد التي تحصل عليها، أن تستمر على هذا المسار أيضاً، أما بالنسبة إلى إيران التي أصبحت في موقف ضعف متزايد نتيجة للإجراءات التي اتخذناها واتخذها آخرون، فستعتمد بصورة أكبر على بعض هذه العلاقات الجديدة، ولا سيما العلاقة مع روسيا على سبيل المثال.
لدى الصين خيار مختلف، إذ إنها تطمح إلى التربع على عرش الزعامة، وفي سعيها إلى الزعامة يتعين عليها أيضاً، برأيي، أن تقيّم سمعتها في نظر العالم، وقد بذلنا جهوداً لإثبات أن الإجراءات الصينية ساعدت في استمرار الحرب الروسية ضد أوكرانيا، لأن الصين هي أكبر مورد على الإطلاق، وشركاتها هي أكبر مورد للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية، إذ إن 70 في المئة من المكونات التي تدخل في صناعة الأشياء التي تحتاج إليها روسيا للحرب و90 في المئة من الأجهزة الإلكترونية الدقيقة تأتي من الصين، ولا تروق لبكين فكرة أننا كشفنا عن هذه الحقيقة، لأنها من ناحية تقول "نحن نؤيد السلام ولا ننحاز إلى أي طرف، ونحن نريد تحقيق السلام، ومع ذلك فإنها تتخذ إجراءات من شأنها الاستمرار في تأجيج هذه الحرب، وهي حرب لا تقتصر عواقبها على تشكيل تهديد جلي للشعب الأوكراني وحسب، بل ربما تشكل أكبر تهديد للأمن الأوروبي منذ نهاية الحرب الباردة.
لذا أعتقد أنه يتعين على الصين أن تطرح على نفسها أسئلة صعبة حول بعض التحالفات التي تدخل فيها مع هذه الدول المعادية، ولا أدعي أنني أعرف القرارات التي ستتخذها، وثمة جانب آخر لهذا الأمر أيضاً يا دان، إذ إن ما شهدناه على نحو مدروس للغاية من قبلنا هو هذا الجهد المبذول لمد هذه الجسور بين مسرح أوروبا الأطلسي ومسرح المحيطين الهندي والهادئ، كما ذكرت، لإظهار أن ما يحدث في مكان واحد سينطوي حتماً على تداعيات في مكان آخر، ونتيجة لذلك فقد كسرنا الحواجز على نحو لم يسبق لي أن رأيت مثيلاً له، ولدينا الآن في الـ "ناتو" أربعة شركاء من منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهم جزء من مناقشات حلف شمال الأطلسي وينضمون إلى القمم ويعملون على مشاريع ملموسة، وهذا ليس جهداً لإخراج الـ "ناتو" إلى أوساط خارج منطقة وجوده، بل سعي تلك المناطق نفسها إلى الانضواء تحت مظلة دول حلف شمال الأطلسي.
ولننظر مرة أخرى إلى الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا، فإن أكبر محركين في الوقت الحالي لتأجيج فتيل هذه الحرب، كما أسلفت ذكره، هما إسهامات الصين في القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية، و إسهامات كوريا الشمالية بالصواريخ والتكنولوجيا، وبالطبع بنحو 10 آلاف جندي كوري شمالي الآن، وبالتالي فإن أكبر الدوافع وراء استمرار هذه الحرب تأتي من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والحلفاء الأوروبيون يدركون ذلك، وبالمثل تمكنا عبر إزالة الغشاوة عن بصائر الناس من زيادة تركيز واهتمام المنطقة الأورو-أطلسية على قضية تايوان، فلقد بات لدينا هناك فهم أكبر الآن منذ تولينا السلطة بأن أية أزمة في شأن تايوان جراء الإجراءات التي تتخذها الصين لن تترك أي شخص بمنأى عن هذه الأزمة، إذ إن 50 في المئة من حركة الحاويات التجارية تمر عبر مضيق تايوان يومياً، و70 في المئة من الرقائق الدقيقة المصنعة في تايوان، وستؤدي الأزمة المتعلقة بتايوان إلى أزمة اقتصادية عالمية، وقد دفع هذا الدول الأوروبية إلى الاستثمار بصورة أكبر في الصين والقول "لا، نحن بحاجة إلى الحفاظ على السلام والاستقرار"، ويحب الصينيون أن يقولوا "إن تايوان ليست شأن أي أحد آخر، إنها شأننا"، ولكن العالم يقول: "في الواقع لا، إنها شأن يخصنا".
وعلى رغم أن هناك تحالفاً عدائياً أكبر بحسب مقتضيات الضرورة، فقد كان الروس في أمس الحاجة إلى ذلك بعد فشل جهودهم الأولية لمحو أوكرانيا من الخريطة، وعلى رغم أننا نرى ذلك فإنني أعتقد أن هذا يفوق بكثير ما تمكنا من القيام به في تقريب الحلفاء والشركاء بعضهم من بعض بفضل قيادة الولايات المتحدة، وأيضاً كما قلت آنفاً مد جسور بينهم بطرق لم نشهد مثيلاً لها من قبل، ولقد انخفضت حدة الأخطار إلى حد كبير في ما يتعلق بالصين، وهو ما نراه في أوروبا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ أيضاً، وكل هذه الأشياء لا تحدث من تلقاء نفسها، وقد جاءت تلك النتائج بفضل اتباع دبلوماسية مستدامة للغاية لتركيز البلدان على هذه المصالح المشتركة التي نتمتع بها، ونحن نرى الآن أن هذا يتجلى بطرق أعتقد أنها في طور وضع أساس أقوى بكثير للمستقبل.
دعني أتوقف قليلاً عند البعد الأوكراني في هذا السياق، فلقد أشرت في المقالة إلى أن "واشنطن لا تسعى إلى تأجيج الإجراءات التصعيدية لكنها يجب أن تستعد لأخطار أعظم وأن تديرها"، ولقد كان هذا السؤال المتعلق بالتصعيد والأخطار في بعض النواحي محور هذه المحادثات حول الدعم الأميركي لأوكرانيا، ومن الواضح أنك تعلم جيداً أن بعض الأوكرانيين والأصوات الأكثر تأييداً لأوكرانيا في الولايات المتحدة سينتقدون الإدارة لأنها خائفة للغاية من التصعيد ومتوجسة جداً من التهديدات الروسية، وفي المقابل هناك آخرون، بمن فيهم بعض من يتجهون نحو الانضمام إلى الإدارة المقبلة، يتهمونكم بالتصعيد الذي قد يؤدي إلى نشوب حرب نووية بينما كنت تراقب وتتأمل هذه القرارات.
أنتوني بلينكن
يبدو أن هذا هو التوازن المثالي.
حسناً، ربما يكون هذا صحيحاً ولكن في طور صراعك مع هذه القرارات وتجاربك في بعض النواحي وتعلمك من هذا المد والجزر على مر الزمن، كيف تفهم التصعيد في سياق أوكرانيا؟ وما الذي تعلمناه من الأعوام الثلاثة الأخيرة من الحرب في إطار هذه المساعدة غير المسبوقة التي قدمناها للأوكرانيين؟
أنتوني بلينكن
دعوني أوضح بعض الأمور هنا، أولاً أعتقد أنه إذا عدت ونظرت إلى كل خطوة قمنا بها منذ بدء العدوان الروسي الجديد على أوكرانيا فقد عملنا على التكيف والتعديل لمحاولة التأكد من أنه لدى أوكرانيا ما تحتاجه لحظة حاجتها إليه للتعامل مع ما تواجهه، وقد تطور ذلك بمرور الوقت، والآن ومن منطلق حقيقة أننا حصلنا على معلومات غير عادية قبل الحرب فقد تمكنا من لفت انتباه العالم إلى هذا، وتمكنا من لفت انتباه الحلفاء والشركاء، وتمكنا من الاستعداد، فلقد كانت أوكرانيا في وضع مختلف بالمطلق عام 2022 عما كانت عليه عام 2014 عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم ثم جزء من دونباس، وأحد الأشياء التي قمنا بها أنه حتى قبل العدوان الروسي أرسلنا معدات أميركية منذ سبتمبر (أيلول) 2021 قبل عدوان فبراير (شباط) 2022، ومرة أخرى قبل مطلع العام، لقد فعلنا ذلك بهدوء، ونتيجة لذلك كان لدى أوكرانيا ما تحتاج إليه لصد المحاولة الروسية لبسط سيطرتها على البلاد بأكملها والاستيلاء على كييف، وقد باءت جهودها بالفشل وتمكنت أوكرانيا من صد الروس واستعادة 50 في المئة من الأراضي التي احتلتها روسيا في البداية، وعوداً على بدء، فلم يحدث ذلك من تلقاء نفسه وإنما لأننا كنا على أهبة الاستعداد، وبعد ذلك ومع تغير مشهد ساحة المعركة الميداني عملنا على التكيف والتأقلم مع المتغيرات.
لكن هناك شيئان أعتقد أنهما مهمان، أولهما أنه من السهل جداً على الجميع تقديم توصيات تؤكد أنه يجب علينا القيام بذلك الشيء أو ذلك الإجراء، لكن المسؤولية الكاملة لاتخاذ هذه القرارات تقع على عاتق شخص واحد فقط في الولايات المتحدة وهو رئيس الولايات المتحدة، وبالطبع تتعين عليه موازنة الكفة بين بذل كل ما في وسعه لضمان قدرة أوكرانيا على مقاومة العدوان الروسي وعكس مسار العدوان من جهة، وتجنب الزج بنا في صراع مباشر مع روسيا وهذا النوع من الصراع العالمي من جهة أخرى، وهذه مسؤولية فريدة ومن السهل مرة أخرى لأي شخص آخر أن يجادل في هذا أو ذاك، إنه الشخص الذي يتعين عليه اتخاذ القرار وأعتقد أن الرئيس بايدن تعامل مع هذا الأمر بفعالية كبيرة، وعندما تنظر الآن إلى مسألة التصعيد هذه فستجد أن هناك أشكالاً مختلفة للتصعيد، وأعتقد أن هناك أمراً واحداً كان متجلياً في ذهني بمنتهى الوضوح، وهو أن الـ "ناتو" نفسه كان الرادع الأقوى ضد روسيا التي تسعى إلى شن عدوان مباشر ضد أي من حلفاء حلف شمال الأطلسي، فلا تستطيع روسيا أن تتحمل مواجهة الـ "ناتو"، وبالتالي فإن القوة الكبيرة للـ "ناتو" تعني أن الحلف يُعد أفضل استثمار ممكن لتجنب الحروب ومنع الصراعات، وتتجسد الصفقة الرابحة التي تشكل جوهر حلف شمال الأطلسي في المادة الخامسة التي تنص على أن الهجوم على أحدنا هو بمثابة هجوم على الجميع، مما يعني أن أي معتد محتمل يعرف أنه إذا هاجم أحدنا فعليه أن يهاجمنا جميعاً، وهذا هو السبب وراء استهداف روسيا كل طرف ليس عضواً في حلف شمال الأطلسي، أي أنها تستهدف أطرافه ولكنها لم تهاجم حلف شمال الأطلسي، ولذا أعتقد أن ذلك كان رادعاً وازعاً.
يمكنك أن تطلق على ذلك "السلام من خلال القوة" إن شئت؟
أنتوني بلينكن
نعم إنه كذلك، وآمل أن نواصل الاستثمارات في هذه القوة، ومشاركتنا وقيادتنا للـ "ناتو" والاستثمارات الضرورية في الدفاع والاستمرار في تشجيع الحلفاء والشركاء على بذل مزيد من الجهد، ومرة أخرى عندما تولينا السلطة كان تسعة حلفاء يلتزمون بـ "تعهد ويلز" باستثمار اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الدفاع، والآن باتت.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية