أكثر العرب الذين زاروا إسبانيا حين وصلوا إلى الأندلس أخرجوا من جيوبهم مفاتيح البيوت، لأنهم يعرفون هذه الأزقة والشرفات، بل يعرفون المخادع أيضا، عدا عن الفستقيات وأرض الديار. فإذا خدعتهم العيون، فإن رائحة الياسمين والتاريخ، ثم رائحة القرفة واليانسون تفوح لتملأ الحواس كلها. وهذا ما قاله نزار وهو يعيد اكتشاف الأندلس، ليس بهدف استعادتها، ولكن في محاولة لاكتشاف النفس من خلال التاريخ.
نزار، ومعه العجيلي وشاكر مصطفى، يذكّرون بالتاريخ ليس بهدف تكراره، وإنما ليصبح محرضا وفاعلا في إعادة تكوين الشخصية العربية، بمعنى أن يكف العربي عن البكاء والاستجداء، وألا يطيل الاتكاء على الماضي ليعفي نفسه من مسؤوليات الحاضر أو التفكير بالمستقبل.
ياسمين الأندلس أصله من دمشق، والتاريخ الذي يملأ شوارع كل المدن وصل من شرق المتوسط، من اللاذقية وحيفا والإسكندرية.
لذلك، فإن رائحة الياسمين من أجل أن تنتشر في الأرض العربية لا تتطلب إعادة الأندلس قدر ما تتطلب رفع العرائش، لتعم الرائحة الأرض العربية كلها مرة أخرى. أما النارنج، الذي هو أصل أشجار الحمضيات، فإن جذره من هنا، وما أسهل أن يعود من جديد.
أهمية الشاعر، والروائي أيضا، أن يذكّر بالتاريخ وليس أن يعيد سرده، وهذا ما فعله نزار قباني تماما.
لم يقتصر على الأندلس في رحلة انتصار العرب، بل وذكّر، ووقف واستوقف، لكنه لم يبك ولم يستبك حين أتى على ذكر هولاكو والتتار، وحذّر من أن العرب المعاصرين، العاربة والمستعربة، يمكن أن ينقرضوا ويتعرضوا للغياب الكامل في مواجهة الهجمة الصهيونية العنصرية إذا لم يدركوا روح العصر وضروراته، ولعل هذه المحطة إحدى محطات نزار قباني الكبرى، خاصة في الرحلة الأخيرة.
لكن قبل التوغل في التاريخ، وربما لا حاجة لذلك خاصة لشاعر معاصر، تجدر الإشارة إلى أن الموقف من الوضع الراهن يحدد موقع هذا الشاعر، خاصة إذا امتلك الشاعر ميزتين: الأولى أنه ليس تابعا لنظام أو لحاكم مهما بلغت سطوة ذلك النظام، ومهما بلغ ذلك الحكم من «الرأفة»، والثانية أنه ينطق بلسان المقهورين والمغيبين، ويحاول رد العدوان عنهم.
لقد قيلت أشياء كثيرة عن الوضع العربي الراهن، لكن من المؤكد أنه قبل مرور مئة سنة على هذا الوضع سوف يصبح نزار قباني مرجعا أساسيا حول هذا الوضع: كيف.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوطن السعودية