يتلقى هشام صالح يعقوب مكالمات من سائقين مذعورين في جميع أنحاء السودان الذي تمزقه الحرب، يطلبون منه دفع آلاف الدولارات إلى جماعات مسلحة متهمة بالإبادة الجماعية التي قسمت البلاد، لقاء السماح لشاحنات الصمغ العربي بالوصول إلى الميناء.
بعد فرز الصمغ العربي الذي يملكه يعقوب في بورتسودان، يُصدّر إلى العملاء في أوروبا والولايات المتحدة.
الصمغ العربي هو عصارة لزجة تُستخرج من الأشجار، وهو عنصر رئيسي في الكثير من المنتجات، من مشروب "كوكا كولا" إلى زبادي "دانون" وحلوى "إم آند إمز" (M&Ms). وينتج السودان 70% من الإمدادات العالمية، وتُعد شركة "أفريتك" (Afritec) التي يملكها يعقوب، من أكبر الموردين في العالم.
قال يعقوب: "عليك دفع مبالغ طائلة إلى الجنجويد". يدفع لهم في المعتاد نحو 2500 دولار لكل شاحنة، مشيراً إلى قوات "الدعم السريع" التي اتهمتها الولايات المتحدة في يناير بارتكاب إبادة جماعية خلال الحرب الأهلية التي أسفرت عن نزوح 12 مليون شخص، وسقوط 150 ألف ضحية.
عنصر أساسي يُستخدم الصمغ العربي كمستحلب طبيعي في البضائع الاستهلاكية -مثل الحلوى والدواء والمياه الغازية ومستحضرات التجميل- في جميع أنحاء العالم. ورغم أن أشجار الأكاسيا تنمو في أنحاء أفريقيا، من السنغال إلى كينيا، إلا أن ملايين الأشجار التي تنمو في الحزام الرملي الممتد على مساحة تقارب 32190 كيلومتراً مربعاً (200 ألف ميل مربع) جنوبي السودان، المنطقة التي تسيطر قوات "الدعم السريع" على أغلبها، تشكل عصب الإنتاج.
بعد مرور عامين على اندلاع الحرب التي سببت أكبر أزمة إنسانية في العالم، لم يعد من الممكن تتبع سلسلة التوريد في السودان بشكل كامل، في ظل استحالة التأكد مما إذا كانت العلامات التجارية الشهيرة تحتوي على منتجات تمول المتهمين بارتكاب جرائم حرب، بحسب بيانات تجارية ومقابلات مع أكثر من 12 متعاملاً ومسؤولاً ومديراً تنفيذياً وخبراء آخرين.
قال ميسرة العوض، المستشار التجاري في "مصنع البكري لتعبئة وتجهيز الصمغ العربي": "إذا اختفى الصمغ العربي، لن تنجح تركيبة (كوكا كولا) بعد الآن، ولن تعود كما عرفناها. لا يمكن تتبع مصدر الصمغ في الفترة الحالية. يصدّر "البكري" نحو 4 آلاف طن من الصمغ سنوياً إلى شركات في أوروبا والولايات المتحدة.
رفضت "كوكا كولا" التعليق، بينما قالت "نستله" (Nestle) إنها "ملتزمة بتحديد مصادر توريد سلعنا بطريقة مسؤولة، ووفقاً للشروط التنظيمية المعمول بها". وصرحت "مارس" (Mars)، منتجة "إم آند إمز"، بأنها لا تتسامح مع الرشوة والفساد، و"نتواصل باستمرار مع موردينا حيال الوضع المقلق للغاية في السودان، ونظل مستعدين لاتخاذ أي إجراء مناسب في حالة اكتشاف أي مخالفة لسياساتنا". بينما لم ترد "بيبسيكو" و"دانون" على قوائم تفصيلية بالأسئلة.
الشبهات تحيط بمصادر التوريد طوال مدة الحرب، استمر تدفق إمدادات الصمغ العربي -الذي يمنع ترسب السكر في قاع عبوة "كوكا كولا"- من منطقتي دارفور وكردفان اللتين تسيطر قوات "الدعم السريع" على أغلبهما، وحيث يزرع صغار المزارعين والجمعيات التعاونية معظم أشجار الأكاسيا التي يستخرج منها.
لفت تيد جورج، المستشار لدى شركة "كليوس أدفايزوري" (Kleo Advisory) للاستشارات المتخصصة في السلع الأولية في الأسواق الأفريقية، إلى أن "السؤال الحقيقي يدور حول التوريد: كيف يُورد الصمغ العربي؟ هل تضمنت العملية عنفاً وإساءة أو تعدياً على حقوق المجتمعات والمزارعين؟ ستكون الإجابة نعم على الأرجح".
نفى المتحدث الرسمي لقوات الدعم السريع، نزار أحمد، سلب أو ابتزاز موردي الصمغ العربي، وأشار إلى أن "مُلاك شركات الصمغ العربي السودانية لديهم مصالح سياسية واجتماعية واقتصادية مع الجيش والحركة الإسلامية. من الطبيعي أن يزعموا ذلك. نحن مستعدون لتقديم كل التسهيلات الممكنة للشركات ورجال الأعمال والمستثمرين لدخول مناطق الإنتاج وشراء المنتج".
تشتري "أفريتك" الصمغ العربي من المزارعين في كردفان في شكل مكاييل وأجولة من البلورات الزهرية التي تكونها العصارة، وتصدره بشكل رئيسي إلى شركة "نكسيرا" (Nexira) الفرنسية، المسؤولة عن 40% من إجمالي إمدادات الصمغ المعالج على مستوى العالم.
وينتهي الأمر بمنتج "نكسيرا" في الزبادي التي تُصنع في مصر من قبل "دانون"، وزجاجات "كوكا كولا" في الهند، وعبوات "بيبسي" في باكستان، وفق تحليل "بلومبرغ" لبيانات التجارة التي جمعتها "ساياري" (Sayari)، موفرة بيانات تحليل إدارة المخاطر وسلاسل التوريد.
تهيمن "نكسيرا" مع نظيراتها على القطاع، ومن بينها "إنغريديون" الأميركية، و"كيري غروب" الأيرلندية، و"آلاند آند روبرت" (Alland Robert).
لم ترد "نكسيرا" على قائمة تفصيلية بالأسئلة، بما يشمل استفسارات محددة بشأن المبالغ التي يدفعها يعقوب إلى قوات "الدعم السريع". وكشفت الشركة لوكالة "رويترز" في وقت سابق من هذا الشهر عن خفضها الواردات من السودان بسبب الحرب، واتخاذها تدابير لتنويع مصادر التوريد لتشمل 10 دول، بهدف تقليل مخاطر سلاسل التوريد.
لم ترد "كيري غروب" على طلب التعليق، وكذلك "إنغريديون"، إلا أنها صرحت لـ"رويترز" في وقت سابق من هذا الشهر بأنها نوعت قاعدة الاستيراد لتشمل دولاً مثل الكاميرون.
تؤكد الشركات الأربع، إلى جانب "كوكا كولا" و"بيبسيكو" و"نيفيا" (Nivea) و"دانون" و"مارس"، على موقعها الإلكتروني التزامها بسلاسل التوريد الأخلاقية، إضافة إلى أنها تتوقع التزام مورديها بالقيم نفسها.
نهب وغارات أعربت "جمعية الترويج الدولي للصمغ" (Association for International Promotion for Gums) -وهي جماعة ضغط تجارية تمثل كبرى شركات المعالجة- وأعضاؤها عن "الإدانة القاطعة لكل أشكال تهريب صمغ الأكاسيا"، وفق بيان على موقعها الإلكتروني جرى تحديثه في 11 مارس.
وقالت الجمعية: "رغم التحديات المتمثلة في البيئة غير المستقرة، تظل القدرة على التتبع، ومشروعية الصادرات مضمونة، بالأخص بفضل نقل الأنشطة إلى المناطق الآمنة مثل بورتسودان، وإنشاء ممرات آمنة. في حين أدى النزاع في السودان إلى زيادة إنتاج وصادرات دول أخرى ضمن منطقة حزام الصمغ، فهذه الدول من بين المنتجين منذ فترة طويلة، وتواصل توفير الإمدادات للسوق العالمية".
كذلك، حرقت قوات "الدعم السريع" أيضاً الحقول، ويُشتبه بأنها قتلت المزارعين ونهبت آلاف الأطنان من المخازن في العاصمة السودانية الخرطوم، من بينها 3 آلاف طن متري من "أفريتك"، بحسب يعقوب، قبل تهريبها عبر الحدود إلى دول مثل تشاد وليبيا ومصر، لتجد طريقها إلى سلسلة التوريد العالمية في نهاية المطاف، بحسب مسؤولين تنفيذين في ست شركات تتاجر في الصمغ العربي في السودان.
في مايو 2023، شن مقاتلو "الدعم السريع" هجوماً على مزارع في كردفان، وحرقوا مزارع، وسرقوا 550 طناً مترياً من الصمغ العربي، وفق دعوى قضائية رفعها محمد المنذر، منتج للصمغ، في محكمة في مروي في الخامس من مارس.
نُهب ما يزيد عن 30 ألف طن من الصمغ العربي منذ اندلاع الحرب، بحسب بشير الكناني، عضو غرفة السودان التجارية وجمعية الصمغ العربي في السودان. فيما قال العوض من "البكري" إن "الشركات الأوروبية تشتري الصمغ السوداني المنهوب بعد تهريبه خارج البلاد".
تهريب الصمغ من السودان أشار أحمد موسى، التاجر المقيم في تشاد والرئيس التنفيذي لشركة "الخيخوان" (Al-Khikhwane)، إلى أن الصمغ السوداني أغرق السوق التشادية خلال العام الماضي، وأنه لا يمكن التأكد ما إذا كان مصدره المجتمعات أو التجار أو الشركات الذين ابتزهم جنود "الدعم السريع" أو انتهكوا حقوقهم.
وأضاف أن الصمغ السوداني "يُخلط بالصمغ التشادي عند دخوله.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اقتصاد الشرق مع Bloomberg