قال مدير معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية، عبد الرحيم الأمين، أمس الثلاثاء بأبوظبي، إن التشريع والتربية، عاملان أساسيان للحد من تأثير العولمة على الأسرة واستقرارها وقيامها بالأدوار المنوطة بها.
وأوضح السيد الأمين، خلال جلسة بعنوان نماذج ريادية وخبرات عالمية في تمكين الأسرة الوطنية ، عقدت ضمن أعمال المؤتمر العالمي حول، الأسرة في سياق فقه الواقع، بمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي (15-16 دجنبر الجاري)، أن الحد من تأثير العولمة على مؤسسة الأسرة يتطلب مجهودا كبيرا، سواء على مستوى التشريع أو على مستوى التربية والتنشئة الاجتماعية، وكذا التوفيق بين المتغيرات الدولية والخصوصية الوطنية في هذا المجال.
وأضاف، في مداخلة بعنوان (تأثير العولمة في الاستقرار الأسري، بين المتغيرات الدولية والخصوصيات الوطنية)، أن العولمة، بمختلف تجلياتها المادية والمعنوية والقيمية، أصبحت اليوم واقعا مفروضا لا يمكن للدول والمجتمعات أن تقف ضدها أو توقف زحفها، لكن يمكن التكيف معها أو تكييفها مع الخصوصية الوطنية والتمثلات المحلية، من أجل المحافظة على أصل الأسرة وتماسكها واستمرارها في أداء وظائفها المنوطة.
وتابع أنه، بالرغم من أن العولمة جاءت بأمور إيجابية وأسهمت في نشر بعض القيم الأسرية الجيدة كالحوار داخل الأسرة، والمشاركة في اتخاذ القرار، وتعزيز حقوق الطفل، ورفع وعي المجتمع بقضايا أسرية مهمة، والمشاركة في المسؤوليات بين الزوجين وغيرها، إلا أنها تفرض تحديات حقيقية لها الأثر البليغ على استقرار الأسرة، لاسيما إذا لم تواج ه بسياسات أسرية واعية، تحافظ على الهوية الثقافية والخصوصية الوطنية.
ولمواجهة هذه التحديات، يضيف السيد الأمين، ينبغي تعزيز القيم الإسلامية السمحة التي تنظم العلاقات الأسرية القائمة على المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف والاحترام المتبادل والعدل في الحقوق والواجبات داخل الأسرة، ليسود فيها الشعور بالأمان والطمأنينة وتكون أكثر تماسكا وقدرة على مواجهة المشكلات والتحديات.
وأكد على ضرورة تعزيز التربية على القيم الوطنية والتمسك بالعادات الاجتماعية الإيجابية التي تقوي روح الانتماء وتعزز الروابط بين أفراد الأسرة، مما يساعد على بناء أسرة مستقرة ومتوازنة، مع الانفتاح على ما هو إيجابي من مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي تسعى إلى حماية الأسرة والمرأة والطفل، مع مراعاة الخصوصيات الثقافية والدينية للمجتمع؛ لتحقيق التوازن بين الالتزامات الدولية وحماية الهوية الوطنية.
وفي هذا الصدد، شدد السيد الأمين على ضرورة دراسة بنود المواثيق الدولية بكل جدية ومسؤولية، قبل المصادقة عليها، مع اعتماد التأويل المرن للنصوص الدولية بما يخدم مصلحة الأسرة، ويراعي الخصوصيات الدينية والاجتماعية في التطبيق، على أساس أن هذه المواثيق الدولية تضع المبادئ العامة ولا تفرض نماذج موحدة ملزمة لكل المجتمعات.
وأضاف أنه يتعين، في السياق ذاته، الدفاع عن القيم الإسلامية السمحة والتعريف بها لدى المنتظم الدولي لإدراجها ضمن المواثيق الدولية باعتبار قيما كونية وإنسانية؛ كما حصل في المادة 20 من اتفاقية حقوق الطفل التي تنص صراحة على نظام الكفالة كما هو في الشريعة الإسلامية.
وسلطت باقي المداخلات الضوء على عدد من النماذج والتجارب الإسلامية الدولية الرائدة في مجال تنظيم شؤون الأسرة وتمكينها في ارتباط بموضوع المؤتمر، بهدف استكشاف أفضل الممارسات المؤسساتية والتجارب الوطنية في المجال، والاطلاع على الاجتهادات الإفتائية المتنوعة التي تعتمد على منهجيات أصيلة تستوعب فقه الواقع وترسخ القيم المجتمعية في ظل التحولات الدولية والتكنولوجية المتسارعة.
وفي هذا الإطار، جرى استعراض تجارب ملهمة حول جهود المحافظة على القيم الدينية لدى الأسرة المسلمة (مجتمع روسيا نموذجا)، كما تم تقديم إضاءات مهمة حول مختلف البرامج والمبادرات الم مك نة للأسرة الوطنية من النموذج الأوزباكستاني.
ويهدف هذا المؤتمر العالمي، الذي ينظمه مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي تحت عنوان الأسرة في سياق فقه الواقع: هوية وطنية ومجتمع متماسك ، إلى صياغة مبادرات نوعية ومشاريع ريادية تصون الأسرة وتضمن استقرارها، بالإضافة إلى إبراز الجهود الرامية إلى تمكين المؤسسات الأسرية والإفتائية ووضع استراتيجيات تستوعب فقه الواقع للحفاظ على تماسك الأسرة وتلاحم المجتمع.
هذا المحتوى مقدم من مدار 21
