في خطوة جديدة تعكس متانة مسار التقارب بين الرباط ومدريد، دخل التعاون التربوي بين المغرب وإسبانيا مرحلة أكثر عمقًا، عقب توقيع اتفاق يمنح المغرب دورًا محوريًا في الإشراف على تدريس مادتي اللغة العربية و الحضارة المغربية داخل شبكة المدارس العمومية الإسبانية العاملة فوق التراب المغربي، بما في ذلك مدينة العيون، وذلك وفق ما أوردته وسائل إعلام إسبانية.
ويأتي هذا الاتفاق ضمن حزمة تفاهمات وُقعت خلال الاجتماع رفيع المستوى الأخير بين الحكومتين المغربية والإسبانية، في سياق سياسي ودبلوماسي يتسم بإعادة بناء الثقة وتوسيع مجالات الشراكة، بعد سنوات من التوتر، كما يعكس إدراكًا مشتركًا لأهمية البعد الثقافي والتربوي في ترسيخ علاقات حسن الجوار وتعزيز الاستقرار في منطقة غرب المتوسط.
وتندرج هذه الخطوة ضمن مسعى منظم لضمان نقل دقيق ومتوازن لمكونات الهوية المغربية، ولغتها وتاريخها وحضارتها، إلى أبناء الجالية المغربية، وإلى التلاميذ الإسبان المسجلين بهذه المؤسسات، وفق مقاربة تربوية تحترم الخصوصية الثقافية للمغرب، وتنسجم في الوقت نفسه مع الإطار القانوني والتنظيمي للتعليم الإسباني.
وبموجب الاتفاق، تتولى وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمغرب اختيار الأساتذة المكلفين بتدريس المادتين، مع تحمل الدولة المغربية أجورهم، في انسجام مع المعايير المعتمدة داخل المنظومة التعليمية الوطنية، كما يشترط توفر هؤلاء المدرسين على مستوى مقبول في اللغة الإسبانية، ومعرفة بالثقافة الإسبانية وبالنظام التربوي المعتمد هناك، بما يضمن سلاسة اندماجهم داخل المؤسسات التعليمية الإسبانية وحسن سير العملية التربوية.
ورغم الجدل الذي أثارته بعض القراءات الإعلامية في إسبانيا، تؤكد مضامين الاتفاق أن الإطار العام للتعليم، وإدارة المؤسسات، والبرامج الأساسية، تظل خاضعة لوزارة التربية والتعليم الإسبانية، فيما يقتصر الدور المغربي على مادة محددة ذات طابع لغوي وثقافي تكميلي.
ويُدرّس هذا البرنامج، بحسب ما جاء في وسائل إعلام إسبانية، في 11 مؤسسة تعليمية إسبانية بالمغرب، تضم أزيد من 5000 تلميذ، ويعمل بها ما يقارب 400 إطار تربوي وإداري، موزعين على مدن طنجة وتطوان والحسيمة والناظور والدار البيضاء والرباط والعرائش، إضافة إلى العيون.
ويشكل إشراف المغرب على مضمون مادة الحضارة المغربية ضمانة لتقديم محتوى علمي منسجم مع المرجعيات الوطنية، ويحد من مخاطر الاختزال أو التشويه التي قد تطال التاريخ والثقافة والرموز المغربية عند تدريسها خارج سياقها المؤسساتي، ويتيح توحيد الرؤية البيداغوجية، وتعزيز جودة المضامين التعليمية الموجهة للتلاميذ.
وفي هذا السياق، ينص الاتفاق على التزام الأطر التربوية المغربية بروح التعاون وحسن الجوار، والمساهمة في تعزيز قيم التعايش والانفتاح داخل الفضاء المدرسي، مع خضوعهم للتشريع المغربي في ما يتعلق بالوضعية الإدارية والمسطرية، وهو ما ينسجم مع طبيعة المهام المنوطة بهم.
ولا يُعد هذا النموذج سابقة في العلاقات المغربية الإسبانية، إذ يشرف المغرب منذ سنوات على برنامج تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية داخل عدد من المدارس العمومية في إسبانيا لفائدة أبناء الجالية، في إطار تعاون ثنائي منظم. غير أن اعتماد التجربة داخل المدارس الإسبانية بالمغرب يمنحها بعدًا جديدًا، ويعكس مبدأ التكامل والمعاملة بالمثل في المجال التربوي.
ويمتد الاتفاق لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، ما يوفر أرضية لتقييم التجربة وتطويرها، ويفتح آفاقًا لتوسيع التعاون ليشمل مجالات أخرى، من بينها التكوين التربوي وتبادل الخبرات وتطوير المناهج متعددة اللغات.
هذا المحتوى مقدم من مدار 21
