المنبر الحر | سقوط العمارات بين فوضى البناء وغياب المحاسبة: من المسؤول عن أرواح الأبرياء ؟

لم يعد سقوط العمارات السكنية حوادث معزولة أو مجرد قضاء وقدر ، بل أصبح ناقوس خطر حقيقي يفضح اختلالات عميقة في منظومة البناء والتعمير، ويكشف حجم التسيب الذي يهدد الحق في السكن الآمن والعيش الكريم.. فبعد الانهيار المأساوي لعمارتين بمدينة فاس، وما خلفه من صدمة وطنية، تعود الفاجعة لتضرب بقوة في حي المستقبل بحي المسيرة، مخلفة استشهاد 22 شخصا، بينهم نساء وأطفال، ذنبهم الوحيد أنهم كانوا يقيمون داخل بنايات لم تحترم أبسط شروط السلامة والكرامة الإنسانية.

هذه الفواجع تطرح تساؤلات حارقة: من سمح ببناء هذه العمارات؟ ومن رخص لها؟ أين كانت لجان المراقبة؟ ومن يتحمل مسؤولية غض الطرف عن الخروقات؟ وهل يعقل أن تستمر الأرواح في السقوط تحت ركام الإسمنت دون محاسبة حقيقية ؟

إن تحميل المسؤولية في مثل هذه الكوارث لا يجب أن يكون انتقائيا أو مناسباتيا، بل مسؤولية جماعية ومشتركة؛ فالسلطات المحلية تتحمل قسطا كبيرا من الذنب حين تتهاون في المراقبة، أو تمنح تراخيص في ظروف مشبوهة، أو تسكت عن بنايات مخالفة بدعوى الأمر الواقع ، كما أن المهندسين والتقنيين الذين يوقعون تصاميم لا تحترم المعايير، أو يغضون الطرف عن الغش في المواد والأساسات، يتحملون مسؤولية أخلاقية وقانونية جسيمة، ولا يمكن تبرئة بعض المنعشين العقاريين والبنّائين الذين يلهثون وراء الربح السريع على حساب أرواح الناس، مستعملين مواد رديئة، ومتجاوزين عدد الطوابق المسموح بها، دون أدنى اعتبار للعواقب.

وفي المقابل، لا يمكن إعفاء بعض الساكنة من المسؤولية، حين تقبل السكن في بنايات غير مرخصة، أو تضيف طوابق عشوائية، أو تجري تعديلات خطيرة دون استشارة مختصين، إما بدافع الحاجة، أو الجهل، أو التغاضي عن المخاطر.. فكل هذا لا يبرر أبدا ترك المواطنين يواجهون مصيرهم لوحدهم، في ظل غياب بدائل حقيقية للسكن اللائق.

إن استمرار هذه الكوارث يثبت أن التعامل مع البنايات الآيلة للسقوط لا يزال بطيئا ومرتبكا، تحكمه المقاربات الظرفية بدل الرؤية الاستباقية، والمطلوب اليوم هو جرد شامل ودقيق لكل البنايات المهددة بالانهيار، وإعلان نتائج الخبرات التقنية بشفافية، مع إفراغ فوري وآمن للسكان، وتوفير سكن مؤقت يحفظ كرامتهم، ثم الشروع في الهدم أو الترميم وفق معايير هندسية صارمة، لا وفق منطق الترقيع .

كما أن المرحلة المقبلة، التي ستعرف أوراشا واسعة للبناء والصيانة والترميم، تفرض تشديد المراقبة، وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، وعدم التساهل مع أي خرق لقوانين التعمير مهما كان صاحبه أو موقعه؛ فلا تنمية عمرانية بدون احترام القانون، ولا استقرار اجتماعي دون ضمان الحق في السكن الآمن.

وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نترحم بخشوع على أرواح الضحايا الأبرياء الذين قضوا تحت الأنقاض، وأن نتقدم بأصدق عبارات العزاء لعائلاتهم، مع التأكيد على ضرورة تعويضهم تعويضا عادلا ومنصفا، وخلق بدائل سكنية مشرفة تحفظ كرامتهم الإنسانية، كما نؤكد أن وقف نزيف الأرواح لن يتحقق إلا بإرادة حقيقية لوضع حد للفوضى، ومحاسبة كل المتورطين، حتى لا تتحول بيوتنا إلى قبور، ولا تتكرر المآسي في مدننا وأحيائنا مستقبلا.


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الأسبوع الصحفي

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الأسبوع الصحفي

منذ 11 ساعة
منذ 7 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ ساعة
منذ 6 ساعات
منذ 3 ساعات
هسبريس منذ 7 ساعات
هسبريس منذ 8 ساعات
أحداث الداخلة منذ 3 ساعات
آش نيوز منذ 4 ساعات
هسبريس منذ 11 ساعة
هسبريس منذ 31 دقيقة
أشطاري 24 منذ 5 ساعات
هسبريس منذ 14 ساعة