لا زالت واقعة غياب رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عن مشهد فاجعتي فاس وآسفي، تثير الكثير من الجدل، في زيارة لم تكن تتطلب منه الكثير، بل على العكس، تقرب الرجل من المواطنين في لحظة حزن وألم، في الوقت الذي يجول فيه البلاد طولا وعرضا، طمعا في أصوات الناخبين خلال الاستحقاقات التشريعية المقبلة، تحت اسم مسار الإنجازات .
سقطت بنايتين سكنيتين بحي المسيرة بمنطقة بنسودة بفاس، مساء الثلاثاء 9 دجنبر الجاري، مخلفة وفاة 22 شخصا، من بينهم أطفال ونساء، إضافة إلى إصابة 16 شخصًا بجروح متفاوتة الخطورة، وبعدها اجتاحت الفيضانات المدينة العتيقة لآسفي، يوم الأحد 14 دجنبر، على إثر التساقطات المطرية الغزيرة وغير المسبوقة، والتي أسفرت عن خسائر بشرية، أودت بحياة 37 شخصا وإصابة 14 شخصا آخرين، إلى جانب أضرار مادية مست عددا من الأحياء والبنيات والتجهيزات الأساسية.
الحزب أولا !
أمام هذا المشهد الأليم، لم يجد رئيس الحكومة طريقة للتفاعل مع الواقعتين إلا من خلال كلمات مقتضبة ألقاها من على منصة مجلس النواب، يوم الاثنين الماضي، خلال جلسة مساءلته الشهرية، وفقرة ببلاغ عقب اجتماع مكتبه السياسي يوم الجمعة الماضي، معبرا عن خالص تعازيه وصادق مواساته لأسر ضحايا الفاجعتين اللتين ألمتا بمدينتي فاس وآسفي، داعيا الله عز وجل أن يتغمد الموتى برحمته الواسعة ويمن على المصابين بالشفاء العاجل ، كما جاء في نص البلاغ.
أيام قليلة بعد الحادثتين الأليمتين، حط عزيز أخنوش رفقة أعضاء المكتب السياسي للحزب بمدينة طنجة، بمناسبة تنظيم اللقاء الجهوي المعروف باسم مسار الإنجازات . ظهر الرجل مبتهجا وسط أنصاره وفي طابع احتفالي، مسرورا بما يقول إنها منجزات غير مسبوقة حققتها حكومته، غير مخفي طموحه لقيادة حكومة 2026 للمرة الثانية تواليا.
هذا المشهد شكل صدمة كبيرة لدى المتابعين للشأن السياسي، الذين كانوا ينتظرون من أخنوش زيارة المواطنين المتضررين من فاجعة الفيضانات والتعبير مباشرة عن مواساتهم والوقوف إلى جانبهم، وليس الهروب إلى طنجة والاحتفال وسط الأنصار، ليطرح السؤال، لماذا تجنب رئيس الحكومة زيارة فاس وآسفي أثناء الفاجعة؟.
فاقد الشيء لا يعطيه
بحسب مراقبين، فإنه لا يُنتظر من عزيز أخنوش أن يلتقي مباشرة بمواطنين غاضبين من الحالة التي هم فيها، لكونه يفتقر إلى أبجديات التواصل في الأساس ولا يعرف كيف يجاري الموقف، ويعزز المتحدثون هذا الطرح، بكون رئيس الحكومة لا يحمل في سجله السياسي لقاءات عفوية مع المواطنين منذ توليه منصبه، وحتى على مستوى مدينة أكادير التي يترأس مجلسها الجماعي، يبقى حضوره لدورات المجلس معدودا على رؤوس الأصابع ودون أن يلتقي بالمواطنين أو الاستماع إلى مشاكلهم ومطالبهم، في صورة مصغرة للوضع.
ويضيف هؤلاء أنه حتى وهو بين أنصاره وأعضاء حزبه بلقاءات مسار الإنجازات التي جالت الجهات الـ12 بالبلاد، لا يخاطبهم أخنوش إلا مما كتب له بأوراق وبـ الدارجة المغربية، أعدها له فريقه الإعلامي، ويقرأها كلمة كلمة دون أدنى اجتهاد أو تفاعل مع الحاضرين، ما يظهر ضعفا فاضحا في التواصل.
ورجع مراقبون أبعد من ذلك، وتحديدا عند الخروج الإعلامي لأخنوش على قنوات القطب العمومي، شهر شتنبر الماضي، حين طل رئيس الحكومة في لقاء بث على القناتين العموميتين الأولى و الثانية . لكن، وعلى غير عادة ما ألفه المغاربة في الخرجات التواصلية لرؤساء الحكومة السابقين، تحديدا منذ 2011 إلى اليوم، تهرب عزيز أخنوش من بث اللقاء بتقنية المباشر، ووجد مخرجا في تسجيله ثم بثه.
وبحسب متابعين للقاء، حينها، فإن رئيس الحكومة بدا مرتبكا ولم يكن في مستوى اللحظة، كما حاول استخدام الأرقام بشكل مفرط، للتغطية على الجو العام الذي يبدي سخطا كبيرا لحكومته، في ظل استمرار ارتفاع أسعار العديد من المواد الاستهلاكية، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين.
واستغرب مراقبون، كيف أن أخنوش الذي أمضى ما يقارب 20 سنة في مناصب المسؤولية الحكومية، بداية بتربعه على وزارة الفلاحة منذ عام 2007 وإلى غاية 2021، ما مجموعه 14 سنة بالتمام والكمال، بالإضافة إلى 4 سنوات أمضاها على رأس الحكومة منذ 2021 إلى اليوم، ولا يزال غير قادر على مواجهة اللقاءات المباشرة.
هذا المحتوى مقدم من بلادنا 24
