وقد جاء إعلان الجمعية عن فشل التوافق ليؤكد أن الهوة لا تزال واسعة بين رؤية الوزارة التي تسعى لضبط المهنة ضمن استراتيجية تحديث الإدارة، ورؤية المحامين الذين يرفضون أي مساس بخصوصية مهنتهم كركيزة أساسية من ركائز العدالة.
وفي قراءة نقدية لهذا المسار، يبرز موقف الحسن أوراغ، عضو مجلس هيئة المحامين بالرباط، الذي اعتبر في مقالته "الخطأ السادس" أن مشروع القانون الحالي يفتقر إلى الشرعية المهنية اللازمة.
ويرى أوراغ أن مشروعية النص القانوني لا تستمد فقط من مروره عبر المسطرة التشريعية البرلمانية، بل من مدى انخراط المؤسسات التمثيلية للمحامين في صياغته. فالمحاماة، من وجهة نظره، ليست نشاطاً إدارياً يمكن إخضاعه لمنطق الضبط الحكومي، بل هي وظيفة دستورية مرتبطة عضوياً بحق الدفاع وضمانات المحاكمة العادلة، مما يمنحها حصانة ضد التدخلات التنظيمية المفرطة.
إن الإصرار على تمرير هذا المشروع دون توافق مهني واسع قد يفتح الباب أمام موجة من الاحتقان داخل الجسم القضائي، وهو ما يحذر منه الفاعلون في القطاع، معتبرين أن النص الذي لا يحظى برضا الممارسين سيفقد شرعيته العملية على أرض الواقع.
هذا التوتر لا يهدد فقط صورة العدالة المغربية، بل قد يزعزع استقرار المنظومة القضائية في وقت يطالب فيه الجميع بتحديثها. فالإصلاح الحقيقي، كما تؤكد الهيئات المهنية، يجب أن يقوم على حوار مؤسساتي صريح يوازن بين مطلب التحديث الإداري وبين حصانة المهنة واستقلالها التاريخي.
ويضع هذا السجال مهنة المحاماة في قلب معادلة صعبة بين منطق "الإصلاح الإداري" الذي تقوده الوزارة ومنطق "الاستقلال المهني" الذي تدافع عنه الهيئات.
ومع استمرار هذا الجدل في سياق تنزيل ميثاق إصلاح العدالة، يبقى الرهان معلقاً على قدرة الأطراف المعنية على تجاوز منطق "الغلبة" والبحث عن صيغة توفيقية تحترم المبدأ الدستوري التشاركي، وتضمن في الآن ذاته تطوير الممارسة المهنية دون المساس بجوهر رسالة الدفاع.
هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى
