مناجم الألماس الكبرى.. من أين تُستخرج أثمن أحجار العالم؟

وراء كل خاتم ألماس لامع قصة تبدأ تحت الأرض، لكن المفارقة أن أغلب ما يُستخرج من الألماس لا يزين المجوهرات، بل يدخل في قلب الصناعة العالمية، من أدوات القطع إلى التكنولوجيا الثقيلة، في سوق تقوده مناجم عملاقة تمتد من روسيا إلى إفريقيا وكندا، وفقاً لفاسكو أسيتس، وبيترا جيمس، ورويال كوستر داياموندز، وبريمكو، ومواقع أخرى.

تاريخياً، ارتبط الألماس بالثراء والسلطة، لكنه اليوم سلعة إستراتيجية أكثر منه مجرد رمز للترف، نحو 20% فقط من الإنتاج العالمي يصلح للاستخدام في صناعة المجوهرات، بينما يُستخدم قرابة 80% في الأغراض الصناعية بفضل صلابته الفريدة.

تشير التقديرات إلى أن جزءاً كبيراً من الألماس منخفض الجودة يُستخدم في التطبيقات الصناعية، بينما يُخصَّص الألماس عالي الجودة لقطاع المجوهرات، مع تزايد دور الألماس المُصنَّع مخبرياً في الاستخدامات الصناعية.

دفع هذا الطلب المرتفع دولاً عديدة لتطوير مناجم ضخمة تعتمد على أنابيب «الكيمبرلايت»، وهي تكوينات بركانية نادرة تنقل الألماس من أعماق الأرض إلى مستويات أقرب إلى السطح.

روسيا تسيطر على العمق في روسيا، تتصدر شركة «ألروسا» المشهد العالمي من خلال مجموعة من أكبر المناجم على الإطلاق. يمتلك منجم مير أو منجم ميرني في ياكوتيا احتياطيات تقدر بنحو 57.77 مليون قيراط، وانتقل من التعدين السطحي إلى العمل تحت الأرض منذ عام 2009، وسجل استخراج ألماسة استثنائية بوزن 468 قيراطاً. يحتوي منجم لومونوسوف في أرخانغيلسك على نحو 73.89 مليون قيراط، ويعد من أكبر رواسب الألماس الصلبة في أوروبا. يعمل منجم نيوربا بطريقة الحفر المفتوح بعمق تجاوز 1,100 قدم، ويضم احتياطيات تقارب 132.75 مليون قيراط. يحتفظ منجم أوداتشني برصيد يقارب 164.46 مليون قيراط، بعد أن انتقل من التعدين السطحي إلى تحت الأرض. أما منجم أيخال في ياكوتيا فهو الأكبر عالمياً، باحتياطيات تصل إلى نحو 175.56 مليون قيراط، ويعالج قرابة 8 ملايين طن من الخام سنوياً، ليبقى العمود الفقري لصادرات الألماس الروسية. إفريقيا.. ثروة تحت الرمال في جنوب إفريقيا، يحتفظ منجم فينيتيا بلقب أكبر منتج للألماس في البلاد، باحتياطيات تتجاوز 92.4 مليون قيراط، ويستعد لمواصلة العمل حتى عام 2040 عبر التعدين تحت الأرض. أما أنغولا، فتقدم نموذجاً مختلفاً عبر منجم كاتوكا الذي ينتج وحده نحو 75% من الألماس الأنغولي، ويحتوي على احتياطيات تُقدّر بنحو 130 مليون قيراط، ويعمل على أعماق تتجاوز 245 متراً. في بوتسوانا، يظهر ثقل حقيقي للثروة المعدنية، ينتج منجم أورابا نحو 11 مليون قيراط سنوياً ويحتفظ باحتياطيات تقارب 131 مليون قيراط. بينما يُعد منجم جوانينغ من أغنى المناجم في العالم باحتياطيات تصل إلى نحو 166.6 مليون قيراط، ويشكّل قرابة 70% من إيرادات شركة «ديبسوانا».

كندا تدخل المنافسة بثبات يمثل منجم إيكيتي في شمال كندا علامة فارقة في تاريخ البلاد، إذ كان أول من دمج التعدين السطحي وتحت الأرض. ويمتلك احتياطيات تقدر بنحو 105.4 مليون قيراط، بعد أن توسع عبر سلسلة من المناجم السطحية والأنفاق تحت الأرض.

لماذا غالباً الألماس لا يحفظ قيمته مثل الذهب؟ ولكن تطرقاً للسؤال الذي يدور في أذهان الكثير، وهو لماذا لا يحتفظ الألماس بقيمته؟ والاجابة باختصار، هي أن الألماس ليس له سعر عالمي موحّد كما هو الحال مع الذهب.

تعتمد قيمته على كثير من العناصر، من قيراط (الوزن)، والقطع، واللون، والنقاء، والشهادة، وأحياناً على شكل القطعة والمجوهرات نفسها، هذا يعني أن إعادة البيع لا تضمن أن تحصل على ما دفعته نفسه.

عند إعادة البيع، غالباً لا يحصل الشخص إلا على جزء من السعر الأصلي، بحسب متخصصين في تجارة المجوهرات في مصر، كثير من الناس يخسرون، نسبة خسارة المواطنين من الألماس تتراوح بين 30% و50% حسب السوق، والعلامة التجارية، والتصنيف.

حتى من المنتجات المصنوعة منذ أكثر من 10 سنوات، وفقاً لموقع فاسكو أسيتس ومواقع أخرى.

عند شراء الألماس، يدفع المستهلك تكلفة القصّ والتلميع والعلامة التجارية وهوامش المتاجر، وهي عناصر لا تُسترد عند إعادة البيع، ما يجعل الألماس أشبه بسلعة استهلاكية فاخرة أكثر من كونه مخزناً للقيمة مثل الذهب.

يواجه سوق الألماس اليوم فائض في المعروض من الألماس الطبيعي ومن الألماس المُصنّع مختبرياً، يضغط هذا الفائض على الأسعار ويجعل إعادة البيع أقل ربحاً.

وهو ما تسبب في كسر احتكار الأسعار التقليدي الذي كانت تفرضه شركات كبرى مثل دي بييرز De Beers لسنوات طويلة.

في الأزمات الاقتصادية أو عند انخفاض الطلب، مثلاً مع ارتفاع أسعار الفائدة، تضخم، أو ضعف القوة الشرائية، ينخفض الطلب على المجوهرات الفاخرة، فتصبح الألماسات أكثر عرضة لهبوط أسعارها مقارنة بالذهب الذي لا يزال يُنظر له كملاذ آمن.

بالتالي، الألماس غالباً لا يُعتبر مخزّن قيمة بصلابة الذهب نفسها، تأتي إعادة البيع غالباً بخسارة، ما يجعل كثيرين لا يشترونه بغرض الاستثمار أو الادخار، بل للزينة فقط.

ورغم كل ذلك الطلب على الألماس ما زال موجوداً الألماس يحتفظ بطابعه الفاخر، كرمز للجمال، والجاذبية، والمناسبات الخاصة.

كثير من الناس يشترونه؛ لأن المجوهرات ليست فقط استثماراً، بل تعبيراً عن ذوق، أو طموح اجتماعي، أو رمز رخاء، بعض التقارير تؤكد أن الألماس الطبيعي رغم التحديات لا يزال يُنظر إليه كخيار أعلى شأناً من الصناعي، خاصة في المجوهرات الفاخرة.

لا يؤثر الجزء الصناعي من الألماس، أي الذي لا يصلح للمجوهرات، مباشرة على جانب الفخامة للمجوهرات.

لكنه يزيد من المعروض العام ويضغط على الأسعار، ما يجعل من الطبيعي أن قيمة الألماس في السوق كسلعة رفاهية تتقلب أكثر من الذهب.

باختصار، يبقى الألماس، رغم تراجع الاستثمار فيه، ضمن ثقافة المجوهرات والهدايا والرموز الاجتماعية، وهو ما يحافظ على طلبه، وإن كان أضعف كمخزن للقيمة مقارنة بالماضي.

وأخيراً، خريطة الألماس العالمية لم تعد مسألة ترف أو زخرفة، بل تحولت إلى عنصر مؤثر في موازين التجارة والصناعة. تفرض روسيا ثقلاً إنتاجياً، بينما تعتمد دول مثل بوتسوانا وأنغولا على الألماس كمصدر رئيسي للنقد الأجنبي، في المقابل بدأت كندا تلعب دوراً متزايداً كمورّد مستقر سياسياً، ما يعزز تنويع سلاسل الإمداد العالمية.

على مدى العقود الماضية، انتقلت صناعة الألماس من الاكتشافات العشوائية إلى الصناعة المنظمة التي تقودها شركات عملاقة وتقنيات تعدين متقدمة. ومع تزايد الطلب الصناعي والتكنولوجي على المواد فائقة الصلابة، لم يعد الألماس مجرد حجر كريم، بل أصبح مورداً صناعياً إستراتيجياً يدخل في معادلة الأمن الصناعي والتكنولوجي للدول.

من سيبيريا إلى صحاري إفريقيا، لا تتشكل قيمة الألماس فقط في لمعانه، بل في عمق الحفر وحجم الاحتياطي وقدرة الدول على تحويل الصخور إلى ثروة مستدامة.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 8 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 55 دقيقة
منذ 7 ساعات
إرم بزنس منذ 18 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 18 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 9 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 16 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 14 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 12 ساعة
قناة العربية - الأسواق منذ 23 ساعة
قناة العربية - الأسواق منذ 18 ساعة