كشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن الحكومة السورية الانتقالية تواجه أحد أعقد التحديات منذ سقوط نظام بشار الأسد، ويتمثل في إعادة بناء الجيش السوري بعد عام على انهيار المؤسسة العسكرية التي شكلت لعقود أداة قمع بيد السلطة السابقة.
دائرة ضيقة من الموالين
وبحسب التقرير، فإن أولى خطوات السلطة الجديدة بعد وصولها إلى الحكم كانت تسريح جميع القوات العسكرية التي خدمت لنحو 5 عقود تحت حكم عائلة الأسد.
واليوم، تحاول الحكومة الناشئة إعادة تشكيل هذه المؤسسة من جديد، في مسار ينظر إليه على أنه حاسم لتوحيد البلاد التي ما زالت تعاني انقسامات عميقة.
وأشار التقرير إلى أن القيادة السورية الجديدة اعتمدت نهجا مشابها لما اتبعته في تشكيل الحكومة، حيث ارتكز الرئيس أحمد الشرع على دائرة محدودة من المقربين والموثوقين، معظمهم من قيادات وعناصر "هيئة تحرير الشام" سابقا، لتولي مواقع قيادية في الجيش الجديد.
وقال جنود وقادة ومجندون إن الاعتماد يجري على هؤلاء الموالين أكثر من الاعتماد على ضباط ذوي خبرة، بمن فيهم آلاف العسكريين الذين انشقوا عن جيش الأسد خلال سنوات الحرب.
غياب الأقليات
ولفت التقرير إلى أن الأقليات الدينية والعرقية لم تُضم بعد إلى الجيش الجديد، رغم أن سوريا بلد متنوع وشهد موجات من العنف الطائفي خلال العام الماضي.
وأقر مسؤول دفاعي سوري، طلب عدم الكشف عن اسمه، بأن الحكومة لم تحسم قرارها بعد بشأن السماح للأقليات بالتجنيد.
وأوضح التقرير أن وزارة الدفاع السورية تعتمد في التدريب على أساليب شبيهة بتلك التي استخدمتها الفصائل التي قادت القتال ضد النظام السابق، بما في ذلك تخصيص وقت للتعليم الديني.
وأفاد مجندون بأن الأسبوع الأول من التدريب خصص بالكامل لدروس دينية، من بينها محاضرات مطولة حول السيرة النبوية، وهو ما اعتبره البعض انعكاسا للأيديولوجية المحافظة التي تبنتها "هيئة تحرير الشام" خلال سيطرتها السابقة على إدلب.
استقالات جماعية
وسلط التقرير الضوء على تفاصيل لافتة من معسكرات التدريب، حيث فرض حظر صارم على التدخين.
وذكر مقاتل سابق أن مدربين صادروا علب سجائر من المجندين، ما أدى إلى استقالة عشرات منهم فورا، فيما طرد آخرون لعدم الالتزام بالحظر.
وبعد 3 أسابيع، لم يكمل التدريب سوى 600 مجند من أصل نحو 1400.
وقال جنود وقادة إن بعض قواعد التدريب لا ترتبط بالجاهزية العسكرية الحديثة، وإن البرنامج بدا في جوانب كثيرة منفصلا عن متطلبات جيش نظامي يضم قوات برية وجوية وبحرية بهياكل قيادة واضحة.
معيار الترقية
وأكد ضابط منشق عن سلاح الجو السابق انضم إلى الجيش الجديد أن الولاء بات المعيار الأساسي للترقية، ما جعل المقربين من الشرع يتقدمون في الرتب على حساب ضباط ذوي خبرة.
وأشار إلى أن بعض قادة الوحدات الجوية لم يكونوا على دراية كاملة بتسلسل الرتب العسكرية.
وحذرت الصحيفة من أن ضعف السيطرة والانضباط داخل بعض الوحدات ساهم بالفعل في اندلاع أعمال عنف طائفية، ما ألحق ضررا بعلاقات الحكومة مع الأقليات.
وقالت منظمات حقوقية إن قوات مرتبطة بالحكومة أو داعمة لها تورطت في بعض عمليات القتل.
دمج "قسد"
وفي المقابل، رأى بعض القادة أن التعليم الديني يهدف إلى بناء التماسك عبر الإيمان المشترك وليس فرض أيديولوجيا محددة.
بينما حذر آخرون من أن إشراك الأقليات في الجيش بعد حرب أهلية ذات طابع طائفي قد يؤدي إلى انفجار جديد، في حين اعتبر فريق ثالث أن جيشا يعكس تنوع سوريا هو السبيل لبناء الثقة ومنع العنف.
وفي ختام التقرير، أشارت الصحيفة إلى أن تركيز المناصب القيادية بيد موالين للشرع يعقد جهود دمج "قوات سوريا الديمقراطية" التي تسيطر على أجزاء واسعة من شمال شرق البلاد، رغم استمرار المفاوضات منذ أشهر بدعم أميركي من دون تحقيق اختراق يُذكر.
كما حذر بعض الجنود من أن التدريب يفتقر إلى أي تركيز جدي على قوانين الحرب، باستثناء تنبيهات عامة بعدم تحميل الأقليات مسؤولية جرائم أفراد.(ترجمات)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
